امرأة احتلت عناوين الصحف الأميركية والعالمية، لانقاذها حياة الالوف ...
عمدت للكشف عن نتائج الدراسة في مؤتمر صحفي، ذلك لأنها أرادت أن تلفت الأنظار إلى حجم المخاطر التي تتعرض لها المدينة عندما لاحظت زيادة مادة الرصاص في مياه الشرب حين علاجها لمرضاها من الأطفال، بعد ان ادركت ان ذلك بسبب تحويل مياه الشرب لمدينة فلنت، من اسالة مياه ديترويت الى نهر فلنت الملوث، لتوفير الاموال، بادرت بتنيه المؤسسات المعنية في الولاية، وبذا كانت من اوائل الذين سلطوا الأضواءعلى مياه فلنت الملوثة، لم يعير المعنيين لتحذيراتها اهتماما، لكن ذلك لم يوقفها عن السعي في تحذيرها من خطورة المياه على الاطفال وسكان مدينة فلنت كافة، وعن حجم الكارثة المتوقعة، ونتيجة لألحاحها تفجرت فضيحة مياه فلنت وجرى اتهام محافظ ولاية مشيكان بالتسبب في الازمة وعدم معالجتها في الوقت المناسب، وتحت تأثير الحاحها واصرارها اتُخذتْ الاجراآت اللازمة، وبذا انقذت حياة سكان المدينة كافة، فوقف أعضاء الكونجرس في مشيكان مصفقين وشاكرين للدكتورة مثابرتها واصرارها على كشف الحقيقة، وبذا احتلت قائمة مجلة التايم الامريكية لأكثر الشخصيات العالمية نفوذا، حيث جاء تسلسلها في المرتبة العشرين لعام 2017 من مجموع مائة في قائمة المجلة .
تطرح مجلة التايم الامريكية الواسعة الانتشار قائمتها السنوية المشهورة والتي تحتوي على أسماء أكثر الأشخاص نفوذا وتأثيراً في العالم، وتحتوي القائمة اسماء قادة العالم، واصحاب الكفاءات الكبيرة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والفنون، وشخصيات بارزة قدمت عطاءاً كبيراً في اختصاصاتها من اجل الانسانية .
عن تجربتها هذه تقول :
كانت الصدفة وحدها هي التي قادتني لهذا الأمر الخطير، فقد كنت مدعوة لعشاء في لقاء عام، وإذا بأحد الاشخاص يثير موضوع شكاوي المواطنين في المدينة من ( لون ) مياه الشرب و( طعمها ) غير الطبيعي، فقادني هذا الامر للعودة والبحث في الفحوصات التي اجريتها على بعض الأطفال المرضى، وتأكدت من شكاوي أهاليهم عن ( ماء الاسالة ) خاصة في الحالات التي كانت تترك بعض الالتهابات الجلدية والتقيحات والطفح، فأتصلت بالجهات الصحية وكان جوابهم : بأن المياه المقدمة سليمة من اية ترسبات، لابل ان ( رئيس بلدية مدينة فلنت ) ظهر في التلفزيون وهو يشرب من الماء في محاولة لطمأنة الرأي العام الذي كانت شكاواه تتصاعد . فعمدتُ وبصورة شخصية ـ الى ارسال عينات من دماء الاطفال الى احد المختبرات المستقلة للتأكد من الفحوصات، فكانت النتائج مرعبة، إذ تبين بأن نسبة الرصاص في الماء المستخدم للشرب تبلغ أعلى بمئات الاضعاف قياساً بالحد المسموح به والمقبول والذي لايؤثر على الصحة العامة، حينها قررتُ طرح الموضوع على الملأ، كون المسؤولون لم يعيروا الامر اية اهمية . بالحقيقة إن لهذا الامر خلفية ومن الضروري التوقف عندها، فمن المعروف ان مدينة ( فلنت ) التي كانت اشهر من نار على علم في صناعة السيارات، اصبحت مهجورة ومهملة منذ أن غادرتها الشركات الكبرى، وصارت تعاني من البطالة وقلة الواردات المالية، ومع تصاعد الازمات الاقتصادية، لجأ السيد رئيس البلدية وبالتنسيق مع حاكم ولاية مشيكَان ( رك سنايدر) الى ابدال المؤسسة الموّردة لمياه الشرب من شركة ( الولايات العظمى للمياه ) الى شركة ( نهر فلنت للمياه ) طمعاً بسعر رخيص لوحدة المياه قياسا بالأولى، وتبين بأن السعر الرخيص له تبعاته الكارثية، فشركة ( نهر فلنت ) قديمة، وبنيتها التحتية متقادمة، اما الأنابيب المستعملة في نقل المياه فهي صدئة اولاً، وكونها قديمة فهي من مادة ( الرصاص ) الذي كان مستعملاً قبل اكتشاف مضاره الصحية، ولهذا كانت المياه ملونة بلون الصدأ ومشبعة بالرصاص . اما عن الآثار الجانبية لوجود هذه المادة في مياه الشرب فانها تتباين في تأثيراتها السلبية بين فئة الكبار والصغار. ففي حالة الأطفال، فإن هذه المادة تجد طريقها للخلايا الدماغية، وتعمل على تعطيل مهامها ومن ثم ينتج عنها ان يصاب الاطفال بعاهات كثيرة مما يسلمهم لأعاقات مختلفة، او منهم، من ينتهي الى العدوانية والتوجه للاجرام لاحقا، وفي كلتا الحالتين فأنها خسارة للمجتمع والبلد، ومعاناة لا يجب ان يدفع الطفل ثمنها. وبالحقيقة فإني سعيدة أن يقوم المسؤولون في مدينة فلنت، - ونتيجة للتغطية الاعلامية التي حاز عليها هذا الموضوع ، وكونه يمس الصحة والسلامة العامة وخاصة الأطفال- بتوقيف التعامل مع شركة ( نهر فلنت للمياه ) والعودة الى شركة ( الولايات العظمى للمياه ) كعلاج أولي للمشكلة، لكن تبقى امامنا محاولات مستميتة لانقاذ ما يمكن انقاذه من هؤلاء الاطفال المساكين، ضحايا الجشع والأزمة الاقتصادية ...
انها الدكتورة منا حنا عتيشا، الطبيبة الامريكية من أصل عراقي، ولدت عام ١٩٧٦ في المملكة المتحدة اثناء فترة دراسة والدها هناك، وبعد ان استقرت عائلتها في ولاية مشيكَان، درست الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية والتخصص الطبي في ذات الولاية . تمارس مهنة الطب منذ العام ٢٠٠٢، وقد تخصصت في طب الاطفال، وهي الآن مديرة قسم المقيمين في مستشفى فلنت، وتعمل ايضا في مستشفى ( هيرلي هوسبتال )، تعمل مديرة برنامج الإقامة للأطفال في المركز الطبي ( هيرلي هوسبتال ) في مدينة فلنت الواقعة في ولاية مشيكان الامريكية، وكذلك تشغل منصب أستاذة مساعدة في طب الأطفال والتنمية البشرية في جامعة ولاية ميشيغان، ومؤخرا حصلت على اعلى تقدير من المؤسسة الصحية المشرفة على الكليات الطبية في الولاية، كما تعمل محاضرة بكلية الطب في جامعة ميتشيغن ستيت.. والدكتورة ( مونا ) متزوجة من الدكتور إليوت عتيشا، ولهما ابنتان، نينا وليلى .
تنحدر الدكتورة عتيشا من عائلة معروفة بعطائها الانساني والعلمي، فوالدتها ( طليعة جموعة ) حاصلة على شهادة في الكيمياء من العراق، وعملت مدرسة في ديترويت، اما والدها د. موفق حنا، فقد كان رئيس قسم المهندسين في شركة ( جنرال موتورز ) لغاية احالته على التقاعد، فيما يملك شقيقها ( مؤكد ـ مارك ) مكتبا للمحاماة في العاصمة واشنطن واختصاصه هو تمثيل النقابات العمالية والدفاع عن مصالح العمال امام تجاوز الشركات الاحتكارية .
يقول عنها والدها د. موفق حنا: انا فخور جداً بما وصلت اليه "مونا" ويزيدني فرحاً ان تتألق بانسانيتها وترجمتها لمهنتها بأروع صورة، في الامانة والاستبسال في حماية الطفولة من أي تجاوز.