تحيي جماهيرنا العربية في الداخل الفلسطيني ومعها كل القوى الديمقراطية والتقدمية والحمائمية المحبة للعدل والحرية والتقدم والسلام، هذا اليوم، الذكرى الـ (65) لمجزرة كفر قاسم الوحشية التي اقترفتها حكومة اسرائيل وعسكرها وبوليسها تحت جنح الظلام، مع بدء العدوان الثلاثي على مصر الثورة بقيادة الزعيم القومي الخالد جمال عبد الناصر في التاسع والعشرين من تشرين الاول عام 1956، وراح ضحيتها 49 شهيداً وشهيدة من المدنيين العزل، أبناء هذه البلدة الفلسطينية الوادعة العزلاء، من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والعمال والفلاحين والكادحين .
ورغم مرور65 عامًا على هذه المجزرة الرهيبة، التي هزت الضمائر الإنسانية واقشعرت لها الأبدان، إلّا أن ذكراها راسخة وآثارها باقية، ولن تمحوها الأيام والسنين مهما طالت، وستظل ذكرى الشهداء الأبرار حية في قلوب ووجدان أبناء القرية وسائر الجماهير الفلسطينية .
إن هذه المجزرة لا تزال تبعث الحزن والألم والغضب في نفوس جميع الانسانيين والديمقراطيين، استنكاراً وتنديداً بسادية الجزارين، فهي معلم صارخ على طريق حكام وقادة الدولة العبرية المرصوف بالعدوان والإحتلال والاستيطان والعربدة والقهر والإضطهاد والتمييز العنصري، تجاه شعبنا العربي الفلسطيني . وهذه المجزرة لم تكن الأولى التي حلت بأبناء شعبنا الفلسطيني، فقبلها نفذت المجازر في اسواق حيفا ويافا إبّان الإنتداب البريطاني، وفي دير ياسين وخربة خزعة والدوايمة والصفصاف واللد والرملة، وسواها من مجازر دموية اقترفت في خضم نكبة العام 1948 .
ذكرى مجزرة كفر قاسم ليست ذكرى ألم وحسرة فحسب، بل هي ذكرى غضب ساطع، ودافع ومحرك للكفاح الشعبي والنضال السياسي في سبيل البقاء والحياة والتطور في هذا الوطن، وطننا الغالي المقدس، الذي لا وطن لنا سواه، وافشال كل مشاريع الترانسفير، ومخططات التهجير والترحيل والتشريد، التي ما زالت تراود أحلام الكثير من ساسة وقادة وحكام اسرائيل . فالأهداف التي ارتكبت من أجلها المجزرة لا تزال قائمة، ولكن كما قال الشاعر والقائد الفلسطيني والمناضل الشيوعي الراحل توفيق زياد : "فشروا" هذا وطننا واحنا هون باقون كالصبار والزيتون" ولن نرضى بديلاً عن وطن الحب والوئام، وطن المستقبل، الذي ولدنا وترعرعنا وكبرنا وسنموت وندفن فيه .
إن ممارسات حكام اسرائيل وعدوانهم المتواصل ضد شعبنا الفلسطيني وتنكرهم لحقه في الحرية والإستقلال، يعكس بوضوح مضمون الصرخة، التي أطلقها الشاعر الراحل سالم جبران بعيد مجزرة كفر قاسم، حين هتف شعراً : "الدم لم يجف والصرخة لا تزال تمزق الضمير وفي فمها أكثر من سؤال، والحية الرقطاء لا تزال عطشى إلى الدماء" . نعم هذا هو واقع الحال، الحية الرقطاء لا تزال عطشى للدماء .
إننا في الوقت الذي نحيي فيه ونستحضر ذكرى مجزرة كفر قاسم نحني هاماتنا اجلالاً وتقديراً لروح القائد والمفكر والمناضل الشيوعي الراحل توفيق طوبي، الذي رحل عن الحياة وافتقدنا رسالته التاريخية التي كان يبعث بها لأهالي كفر قاسم في ذكرى المجزرة، وكان له الدور الهام والكبير مع رفيق دربه المرحوم ماير فلنر في كشف الحقائق وإماطة اللثام عن المجزرة وملاحقة مرتكبيها .
وأخيراً، فأن شعبنا لن ينسى الشهداء الأبرار، الذين سالت دماؤهم الزكية، ولن تغفر للجزار، وهذا الدم الطاهر لم ولن يذهب هدراً، فشعبنا مصمم على البقاء والإنزراع عميقاً في ثرى الوطن، وقد تعلم من تجربته الغنية المخضبة بالدماء، أن لا طريق أمامه لمواجهة سياسة التمييز العنصري والإضطهاد القومي والطبقي، وسياسة الإقتلاع والتهجير، وللحفاظ على حاضره ومستقبله وتطوره، ليس أمامه سوى طريق الوحدة الوطنية الكفاحية الصلبة، البديل والطريق والسلاح الفعّال والمجرب لإحراز المزيد من المكاسب الوطنية وانتزاع الحقوق المطلبية المشروعة من براثن وأنياب السلطة، وتحقيق المساواة والسلام العادل والشامل، المبني على الثقة والإحترام، والقائم على الإعتراف بالحق الفلسطيني، حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة . وفي هذا اليوم نعود ونضم صوتنا إلى وجدان شعبنا ورؤيته الصائبة ونطالب بالإعتراف الرسمي التام والواضح والعلني، قولاً وفعلاً وتنفيذاً، بالمجزرة والمسؤولية عنها بروح القانون الذي قدمته باسم القائمة المشتركة النائية عايدة توما، وأفشله من اختاروا الخندق المعادي لحقوق ومصالح شعبهم الحقيقية الراسخة والثابتة .