ثلاثة أنهارٍ

2015-11-05
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/34ce8fe5-8be4-4d0c-a037-229dd8bf4155.jpeg
النهرُ الأوّل
بعد أن جفّ " وادي العقيقِ " ، وأخرجت الأرضُ أثقالَها
من حصاً ورصاصٍ
ومن  مُتَرَدِّيةٍ ومسوخٍ وآلهةٍ  ...
قلْتُ : أمضي إلى ذلكَ النهرِ .
رُبّتَما أتدارَكُ ما لستُ أُدْرِكُهُ ...
أو عسى العَـتْمةُ الأبديّةُ تنجابُ ؛
كان الصباحُ بهيماً :
غيومٌ معلّقةٌ كالذبائحِ
شمسٌ ، كما في كتابِ القيامةِ ، سوداءُ
ثَمَّ تماسيحُ تزحفُ
أفعى ، بِعَشْرِ قوائمَ ، مثل التماسيحِ ، تسعى ،
لقد فَـتحَ النهرُ بوّابة السائرينَ إلى حتفِهم في الظلامِ
وهاهم أولاءِ :
انتَضَوا ، في المتاهةِ ، أذرعَهم بعدَ أن قُطِعَت ...
إنهم يصرخونَ :
البقاءُ لنا
نحن أهلَ السواد ...
البقاءُ لنا
نحن
نحن
العِباد .


لندن 04.03.2015


النهر الثاني

كانت الأرضُ ناعمةً ...
عُشْبُها زغَبٌ
والأديمُ حريرٌ من الصينِ .
خفّفْتُ ، في خطُواتي التي تتعثّرُ بي ، الوَطْءَ ؛
ثَمَّ الزهورُ
مُنَثّرةٌ ، زهرةً ، زهرةً ،
 أتأمَلُها ، وأحاولُ أن أتفادى مساساً بها ،
كنت أخطو على قلَقٍ
غيرَ أن الهواءَ الذي بين نعليَ والأرضِ 
كان وِساداً ، خفيفاً ، من العِهْنِ .
هل كنتُ ، حقّاً ، أرى ما يرى النائمُ ؟
الأرضُ ناعمةٌ ...
عُشْبُها زغَبٌ
والأديمُ حريرٌ من الصينِ :
لكنه النهرُ !
يَلْصِفُ ، في البُعْدِ ، في منتهى البُعْدِ ...
يَلْصِفُ
 أبهى من الشمسِ
أزهى من الشمسِ
أشهى من الشمسِ ...
هل بالِغٌ ، أنا ، مبتدأً منه أو مُنتهى ؟
هل علَيَّ ، وقد وهَنَ العظمُ مني ... متابَعةُ الدربِ ؟
إن الطريقَ طويلٌ ...
ولكنّهُ النهرُ !





النهر الثالث
لي ، أحياناً ، أن أتساءلَ :
إنْ كان الماءُ يظلُّ ، كما نعْهَدُهُ ، الماءَ
فما معنى أن تختلفَ الأنهارُ ؟
وما معنى أن نسبحَ ، ماضِينَ ، مع التيّار الجاري
أو ضدّ التيّارِ ؟
*
هل الماءُ بدجلةَ أعذبُ من ماءِ النيلِ
وهل ماءُ المسِسِبّي مسمومٌ
أمْ أن الأمازونَ يسيلُ دماً ؟
*
قد بُلِّغْتُ ثمانينَ من الأعوامِ ...
شهِدْتُ بها ما لم يشهدْهُ سواي
وخِضْتُ مياهاً لم يعرفْها أحدٌ قبلي ،
لكني آلَيتُ على نفسي
ألاّ تلحَقَني قطرةُ وحلٍ حتى لو خوّضْتُ عميقاً في الأنهار ...
*
هل لي أن أتساءلَ :
ما معنى الأنهارِ ، وكلِّ حديثي عن هذي الأنهارِ ؟
*
أقولُ :
هنا في القريةِ
نهرٌ أعمقُ من كل الأنهارِ
وأعذبُ ماءً من كل الأنهارِ
وأصفى من كل الأنهارِ
وأكثرُ صفصافاً من كل الأنهارِ ...
هنا
في القريةِ
يَخْفُقُ قنديلُ الشاعرِ حتى في هولِ الإعصار !


سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved