النهرُ الأوّل
بعد أن جفّ " وادي العقيقِ " ، وأخرجت الأرضُ أثقالَها
من حصاً ورصاصٍ
ومن مُتَرَدِّيةٍ ومسوخٍ وآلهةٍ ...
قلْتُ : أمضي إلى ذلكَ النهرِ .
رُبّتَما أتدارَكُ ما لستُ أُدْرِكُهُ ...
أو عسى العَـتْمةُ الأبديّةُ تنجابُ ؛
كان الصباحُ بهيماً :
غيومٌ معلّقةٌ كالذبائحِ
شمسٌ ، كما في كتابِ القيامةِ ، سوداءُ
ثَمَّ تماسيحُ تزحفُ
أفعى ، بِعَشْرِ قوائمَ ، مثل التماسيحِ ، تسعى ،
لقد فَـتحَ النهرُ بوّابة السائرينَ إلى حتفِهم في الظلامِ
وهاهم أولاءِ :
انتَضَوا ، في المتاهةِ ، أذرعَهم بعدَ أن قُطِعَت ...
إنهم يصرخونَ :
البقاءُ لنا
نحن أهلَ السواد ...
البقاءُ لنا
نحن
نحن
العِباد .
لندن 04.03.2015
النهر الثاني
كانت الأرضُ ناعمةً ...
عُشْبُها زغَبٌ
والأديمُ حريرٌ من الصينِ .
خفّفْتُ ، في خطُواتي التي تتعثّرُ بي ، الوَطْءَ ؛
ثَمَّ الزهورُ
مُنَثّرةٌ ، زهرةً ، زهرةً ،
أتأمَلُها ، وأحاولُ أن أتفادى مساساً بها ،
كنت أخطو على قلَقٍ
غيرَ أن الهواءَ الذي بين نعليَ والأرضِ
كان وِساداً ، خفيفاً ، من العِهْنِ .
هل كنتُ ، حقّاً ، أرى ما يرى النائمُ ؟
الأرضُ ناعمةٌ ...
عُشْبُها زغَبٌ
والأديمُ حريرٌ من الصينِ :
لكنه النهرُ !
يَلْصِفُ ، في البُعْدِ ، في منتهى البُعْدِ ...
يَلْصِفُ
أبهى من الشمسِ
أزهى من الشمسِ
أشهى من الشمسِ ...
هل بالِغٌ ، أنا ، مبتدأً منه أو مُنتهى ؟
هل علَيَّ ، وقد وهَنَ العظمُ مني ... متابَعةُ الدربِ ؟
إن الطريقَ طويلٌ ...
ولكنّهُ النهرُ !
النهر الثالث
لي ، أحياناً ، أن أتساءلَ :
إنْ كان الماءُ يظلُّ ، كما نعْهَدُهُ ، الماءَ
فما معنى أن تختلفَ الأنهارُ ؟
وما معنى أن نسبحَ ، ماضِينَ ، مع التيّار الجاري
أو ضدّ التيّارِ ؟
*
هل الماءُ بدجلةَ أعذبُ من ماءِ النيلِ
وهل ماءُ المسِسِبّي مسمومٌ
أمْ أن الأمازونَ يسيلُ دماً ؟
*
قد بُلِّغْتُ ثمانينَ من الأعوامِ ...
شهِدْتُ بها ما لم يشهدْهُ سواي
وخِضْتُ مياهاً لم يعرفْها أحدٌ قبلي ،
لكني آلَيتُ على نفسي
ألاّ تلحَقَني قطرةُ وحلٍ حتى لو خوّضْتُ عميقاً في الأنهار ...
*
هل لي أن أتساءلَ :
ما معنى الأنهارِ ، وكلِّ حديثي عن هذي الأنهارِ ؟
*
أقولُ :
هنا في القريةِ
نهرٌ أعمقُ من كل الأنهارِ
وأعذبُ ماءً من كل الأنهارِ
وأصفى من كل الأنهارِ
وأكثرُ صفصافاً من كل الأنهارِ ...
هنا
في القريةِ
يَخْفُقُ قنديلُ الشاعرِ حتى في هولِ الإعصار !