انها من مدينة الرباط، الاّ ان جذورها تمتد الى جبال الاطلس، وبين الاطلس والرباط، خبرت عوالم ضاجة بالغرابة والأصالة، والتنوع، لذا اصبح هاجسها المعرفة واكتشاف كل جديد، مدفوعة بذكاءٍ وحساسيةٍ مفرطة، ختم حب المعرفة شخصيتَها بختمٍ لم تمح آثاره رغم حصولِها على أعلى المستويات الأكاديمية .. ذاكرتها وعاء سكنته عوالم، طقوس، احداث، وحكايات، فتسربت الى اعمالِها الروائية وطبعتها بواقعٍ حيٍ معاش، اعادت قراءة احداثه، ثم انتقلت من التعمق في دراسة التاريخ الاندسي على وجه الخصوص الى كتابة الرواية الواقعية المستمدة مفرداتها من بيئتها بكل تفصيلاتها فكانت الى السيرة الذاتية اقرب ..
في بحوثها ودراساتها كانت مثلاً أعلى، في الكشف عن المغالطات في الحقيقة التاريخية التي تزخر بها الكتب التي تعرضت للتاريخ العربي عامة والحضارة الاندلسية على وجه الخصوص، ومثلاً اعلى في مساهماتها في معالجة وتصحيح قضايا الادب الاندلسي الذي استهواها التعمق والتخصص في مجاله ..
اول امرأة تحصل على دكتوراه الدولة في الادب الاندلسي، سطرت العديد من الدراسات اضاءت بها مكتبتنا العربية، صارعت التهميش والعزلة التي فرضتها التقاليد، تبوأت مراكز مهمة في المجالات الأدبية جميعهاً . لكنها لم تسعَ يوماً للأضواء مع كل ما تمتلك من طاقة، ووجدت أن ارقى تقييم لها هو حب طلابها لها وشغفهم بمحاضراتها ...
قالت عنها الروائية د. لطيفة حليم في معرض نقدها لروايتها محطات من حيات امراة :
انها تمتلك مرجعية تاريخية ثرية تبرز في نسيج حكائي يدل على سعة الاطلاع والتمكن من فن الصياغة ومن إتقان طرق البيان . يشعر معها القارئ، أنها باحثة أكاديمية تستثمر حصيلتها التاريخية لشحذ موهبتها فتسعفها القطع السردية في صياغة منتجها الأدبي" محطات من حياة امرأة . ذلك ما يسر للقارئ التعامل معه في يسر وان تعذر عليه الأمر أحيانا، كان صبره جميلا وهو يكاشف التاريخ الذي لم تتيسر له معرفته في مرحلة الثانوية ولا في الجامعية . حفظته ذاكرة الروائية إلى أن تسرب داخل القطع السردية في يسر . لاتتوخى الساردة الاضطلاع بمهمة المؤرخ المدقق للكشف عن معلومات، وإنما تحرص على الانطلاق من وعيها الحاضر لتعيد قراءة الحدث في مثل " الحكاية 3" في ضوء الأسئلة الراهنة : التعايش، الحوار، الاختلاف ...
في جلسةٍ اتاح بها وقتها، تجاذبنا اطراف الحديث بدأته بسؤالها :
* في اي مجال من مجالات الادب العربي كان تخصصك ؟
* ان ابحاثي هي في مجال الادب الاندلسي، لكني اناقش اطروحات عديدة لطلبة الدكتوراه في مختلف التخصصات، في الادب العربي القديم، في الادب المغربي، في الادب الاندلسي، وفي كل ما كتب في الادب العربي واللغة العربية ...
* هل نشرت ابحاثك في كتب ؟
بعضها طبعت كتب، وبعضها كتيّبات، احدى الدراسات طبعت كتاب على نفقة وزارة الاوقاف، بامر من صاحب الجلالة، وكتاب الاطروحة طبع من كلية الآداب خارج ميزانية الكلية، والرواية طُبعت بدعم كامل من وزارة الثقافة، ومن شرفة الرفييرا 2016 طبعت على نفقتي الخاصة، اماالابحاث الاخرى فالكلية التي اقدم لها البحث هي التي تتولى طباعته ونشره في كتيبات صغيرة .
* بين البحث والدراسات ثم كتابة الرواية اي المحطات اقرب اليك ؟
* المحطة الاولى التي عشقتها هي الصحافة، فانني لم ارغب ان اكون استاذة او باحثة يوماً، لذا توجهت لدراسة اللغة الانكليزية وانا في الثالثة عشر من عمري، وكانت بالنسبة لي هي اللغة الاجنبية الاولى، وبعدها الفرنسية، لكن دراستي الجامعية كانت باللغة العربية . وبعد ان تخرجت كان مبدأ والدي ان لا مكان للمرأة في الاعمال الادارية، فاما في مجال التعليم او البيت ... فكنت مجبرة على ان اكون استاذة، لكن عندما توفي والدي بعد سنوات حققت رغبةً لم تغادرني ابداً، وعملت في مجال الصحافة لأُرضي رغبتي الاولى، عملت لبضعة سنوات في جريدة الميثاق الوطني وجريدة الانباء المغربيتين .
* انك دخلت الجامعة في ظروف صعبة، هل لك ان تحدثينا عن تلك المرحلة ؟
انها كانت صعبة على جميع المستويات، كان هنالك صراع داخلي في المغرب، كانت هنالك حركات ثورية كثيرة كان هنالك مناهضات للسياسة السائدة، كان هنالك صراع وشد بين الشعب والقوى الحاكمة، وكانت اهم المحطات واصعبها عندما كنت في مرحلة البكالوريا، والتي لن انساها ابداً، في ذلك الوقت كان مدرسونا من المصريين والعراقيين والسوريين، في هذه السنة بالذات كان قد القي القبض على حسني مبارك في الحدود المغربية فاخذه الملك الحسن الثاني، ولم يعلن عن ذلك، لانه كان يواجَه بالانكار كلما احتج على تدخل مصر لصالح الجزائر في الصراع الذي كان بين المغرب والجزائر، وفي مؤتمر للدول العربية آنذاك اخذ الملك الحسن الثاني حسني مبارك وسلمه الى جمال عبد الناصر امام جميع الحكام العرب المشاركين في المؤتمر، كدليل على ما كان يتحدث عنه من تدخل مصر . وهذه الحادثة لم يتحدث عنها احد، لكنها مسجلة وموثقة في سجل المغرب، كان رد فعل الحسن الثاني اثناء القاء القبض على حسني مبارك، هو انذار جميع المصريين ان يغادروا المغرب خلال 24 ساعة، فكانت مشكلة بالنسبة لنا نحن من ندرس باللغة العربية، كيف يمكن ان نكمل سنة البكالوريا بدون اساتذة ؟ كنا نذهب الى المدرسة ونكمل ساعات الدوام الرسمي لكن بدون اساتذة، ثم اتخذوا قرار ان يعهد بتدريسنا الى طلبة المعاهد، وهنا خُلقت مشكلةٌ اخرى لاننا في مدارس معربة وطلاب المعاهد يدرسوننا باللغة الفرنسية، بما خلق عدم تواصل بين الطرفين، لذا فان الطلبة المكلفين بالتدريس يجدون صعوبة فلا يستمروا ويستبدلوا بآخرين وهكذا، لذا اننا وجدنا انفسنا مجبرين على المثابرة وتعويض النقص بالاعتماد على النفس، وبذا استطعنا ان نجتاز الامتحان بصعوبة، لكن بنجاح ...
* تطرقت في دراستك للادب الاندلسي، الى ولادة بنت المستكفي واعدت لها الاعتبار في عدة نواحي، كيف كان ذلك ؟
انني اعدت قراءة ولادة من جديد، اعدت البحث فيها، كنت دائماً اقرأ قصائد بن زيدون وجميل بثينة وغيرهم بشكل تلقائي، لكن عندما دخلت عمق الاختصاصات، والدراسات المعمقة اولا، ثم الدراسات العليا، بعد ذلك دكتوراه الدولة، اكتسبت منهج علمي يقول ان الانسان كي يؤلف موضوع ما، يجب ان يستعمل البحث العلمي الصرف، وان لا ينقل كل ما سبقه ويعيد اجتراره من جديد، كل الدراسات قبل هذه الدراسة كانت من هذا النوع، اي انها اجترار لما سبق ...
انها كانت محاولة خجولة لرد اعتبار ولادة في عدة اوجه :
1) انها امرأة عربية وأميرة أموية وأديبة أندلسية أصابها من الحيف والظلم ما أصابها ورافقها عبر العصور.
2) ان ليس من بين الأدباء والعلماء والوزراء الأندلسيين من أُتهموا - وبطريقة غير مباشرة- بالتصابي وبالتهافت على الملذات وبضياع الهيبة كما ولادة .
3) في الأندلس التي رفع فيها علم الإسلام لقرون طويلة، وخلفت تراثا حضاريا أضاء أوروبا ونشر إشعاعه شرقا وغربا.
لا بد من إعادة قراءة التراجم التي اهتمت بالموضوع لوضع اليد على موضع الخلل وتصويبه ...
سيرتها
الإسم الكامل : ثريا لهي
الإطار : أستاذ التعليم العالي
الدراسة الجامعية :
الإجازة في الأدب العربي سنة 1968
دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب الأندلسي : سنة 1975
دبلوم الدراسات العليا سنة 1986
دكتوراه الدولة سنة 1991
الحياة العملية:
- أستاذ للسلك الثاني من سنة 1968 إلى سنة 1977
- أستاذ بمركز تكوين أساتذة السلك الأول بالرباط من سنة 1977 إلى سنة 1980
- أستاذ بكلية الآداب جامعة القاضي عياض مراكش من 1980 إلى 1982
- أستاذ بكلية الآداب جامعة محمد الخامس الرباط من1982 إلى2005 م.
- عضو المجلس العلمي المحلي بمكناس سنة 2004 م
ـ متقاعدة، المغادرة الطوعية غشت ( آب ) سنة 2005 م
أول سيدة مغربية تحصل على درجة دكتوراه الدولة في الأدب الأندلسي من جامعة محمد الخامس بالرباط بدرجة حسن جدا.
أول سيدة مغربية يتم تعيينها أستاذا بشعبة اللغة العربية وآدابها جامعة محمد الخامس .
أول سيدة مغربية تُعين عضوا في المجلس العلمي بمكناس .