غالب الموسيقار اليوناني الشهير ميكيس ثيودوراكيس ايقاعات التعب واعباء السنوات، حين وضع الكوفية الفلسطينية على كتفيه في ميناء قريب من العاصمة اليونانية اثينا وهو يتقدم حفلا موسيقيا للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
وفيما وجه السفير الاسرائيلي في اثينا رسالة الى صاحب موسيقى فيلم "زوربا" الشهير، طلب منه فيها ان "يغني يوما للاطفال الاسرائيليين، مثلما فعل للاطفال الفلسطينيين".
ولكن لا يبدو ثيودوراكيس، مؤلف النشيد الوطني الفلسطيني، والمعروف بمواقفه المؤيدة للفلسطينيين، الذي كان بين كبار النجوم الذي شاركوا في نيسان الماضي في حفل موسيقي اقيم في وسط اثينا تضامنا مع فلسطين وحضره اكثر من 20 الف شخص، من النوع الذي تفت في عضده دعوات هي اقرب الى "رسائل مبطنة" كالتي تحملها دعوة السفير الإسرائيلي، فالرجل غير مأسور بشهرة "النجوم" ولا بأضوائهم، وما يقدمه من انغام منذ نحو اكثر من خمسين عاما، كان منسجما مع فكرة الحرية والنضال بلا هوادة ضد القتلة، فهو الذي دفع ثمنا باهظا من حياته حين أودع السجن جراء نضاله بالموسيقى الرفيعة ضد الديكتاتورية العسكرية التي حكمت بلاده في ستينيات القرن الفائت.
تيودراكيس: النغم في مهب الحرية
ظل ابداع صاحب موسيقى فيلم "زد" مثالا رفيعا على مزاوجة منسجمة بين الفن والايديولوجيا وفي انسجام وتواتر مدهشين برغم كل العناءات التي تحملها جراء ذلك، وعاونه في مساره الشائك ذاك، فهمه العميق لموسيقى ابناء بلاده الشعبية، فهو "أسند رأسه السياسي الثقيل على وسادة الموسيقى الشعبية التي لا تتميز عن الخبز كثيرا في اليونان"، كما يقول عنه الناقد الموسيقي في صحيفة "الغارديان" وهو يقدمه واصفا مقطوعته الموسيقية في "اولمبياد برشلونة" 1992.
وصاحب النشيد الوطني الفلسطيني، له من النتاجات الموسيقية ما يوصف بالغزير: 350 اغنية شعبية، 20 مقطوعة موسيقية، سيمفونية، عدد من الأناشيد الجماعية، ثلاث مقطوعات اوبرالية وموسيقى عدد من الأعمال السينمائية والمسرحية الكلاسيكية المأخوذة من التراث الإغريقي.
وكان ثيودوراكيس بسجله الإبداعي الكبير، عانى الاضطهاد في ظل الديكتاتورية التي حكمت بلاده، وكان الناس يحاكمون بتهمة سماع اغانيه وألحانه حين كان المخبرون يقفون تحت نوافذ البيوت.
ثيودوراكيس أوصل ابداعه الموسيقي الى حدود ضرب فيها عرض الحائط بفكرة مكرسة تقول ان "الموسيقى فن مطلق ومجرد ولا يحتمل أي احالة الى الواقع وهواجسه"، واكد ان فكرة "المثقف العضوي" ما زالت قائمة، وانها تجد نفوذها في ربط الفن بالحركة الإجتماعية مع توجه المجتمعات الى الديمقراطية.
تيودراكيس يقود الاوركسترا في عزفها موسيقى "زوربا"
وصاحب موسيقى "زوربا" التي صارت علامة الى بلاد الإغريق في وجهها المعاصر، يؤكد في موقفه التضامني مع الشعب الفلسطيني، انه هو ذاته الذي كانت موسيقاه اقرب الى ان تصبح "النشيد القومي" لليونان، هو ذاته الذي يؤاخي بين النغم ورغيف الخبز، هو الذي لا تتجزأ عنه قضية الحرية وفكرتها.
*نشرت في "الرأي" الاردنية العام 2001