طرق اصطياد الفيلة وبراعة تطييرها

2018-08-15
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/e780ca3c-e1ae-4a46-8d49-7f356ef37f5b.jpeg
في عالمنا الثالث، تلعب الحيلة والمكر والخديعة السياسية التي يمارسها الساسة والقادة، دورا كبيرا في ترويض الشعوب وتخديرها بالاوهام والتضليل وتُظهر السلطة كذبا وزلفى بانها تهتمّ وتراعي وضع شعوبها وتعمل على انقاذها وحلّ أزمات مواطنيها بالرغم من انها -- اي السلطة -- هي من توقعه بهوّة التخلف وتُنزله الى القاع متعمدة .
 
قبل ايام شاهدت فيلما مؤثرا في احد أدغال افريقيا اذ يقوم صيادو الفيلة بحفر حفرة واسعة وعميقة جدا مغطاة بالحشائش على سبيل الغشّ والاختفاء في طريق الفيل حينما ينوي الذهاب الى مورد الماء والكلأ ويقع المسكين فيها حيث يظلله الصيادون بانها ارض سالكة ويحاول الخروج منها دون جدوى، وهنا تلعب المكيدة دورها حيث ينقسم الصيادون الى مجموعتين؛ المجموعة الاولى ترتدي لباسا احمر والأخرى بلباس ازرق  وتكون مهمة زمرة الملابس الحمر تعذيب هذا الكائن الضخم المحاصر بالقاع ويشبعونه ضربا بالعصي ويزيدون غضبه حنقا وهو أسير حفرته التي لايمكن الخروج منها وحده، ثم يأتي بعدهم ذوو اللباس الأزرق ليؤدوا دورا مصطنعا في التظاهر بالحنو والرأفة فيطعمونه ويسقونه ويربتون على جسده تعاطفان ويمسحون جسده ملمسا من الحنو الزائف ثم يتركونه في مكمنه الضيق دون ان ينتشلوه من القاع المحجور فيه .
 
ثم تتابع الزمرة الحمراء كيل الاذى بالفيل وتعذيبه اشد العذاب وتضاعف من تعنيفه اكثر مما سبق، ثم تلحقه الزمرة الزرقاء وتؤدي دورها في اصطناع المحبة والاهتمام لتزرقه من إبر الحنو الكاذب وتطعمه وتصطنع التعاطف معه وتغذيه وتروي ظمأه لكنها تتركه في محبسه وهكذا دواليك حتى يظن الفيل المسكين ان هناك حليف له تسمى الزمرة الزرقاء المحبة والعطوفة مع انها تبقى تتركه في حفرته وتلقّنه درسا في التدجين وخلق الألفة الكاذبة والمودّة الزائفة للتمكّن من هذا الحيوان وتطويعه وإذلاله بالحنو والرعاية المضللة كي لا يبطش بهم عندما يخرج .
 
هنا لابدّ من ترتيب مفتعل للتوادّ بين الفيل وبين الزمرة الزرقاء خاصة حينما تقوم بأداء مسرحي مفتعل لطرد الزمرة الحمراء وإبعاد الأذى مؤقتا عن الفيل المحاصر الذي ترسّخ في ذهنه وبقناعة تامة ان الزمرة الزرقاء تتضامن معه وتبعد الشرور عنه وتغذّيه وترويه وتبعد الأشرار عنه .
 
ولكي تطمئنه اكثر تقوم الزمرة الصالحة بعد ذلك بإخراجه من الحفرة وهو فرح ومذعن ويتم انتشاله هيكلا ضخما لكنه طيّع  ومدجّن مسالم سهل القياد وخاضع خضوع المستكين الراضي بمن خدعه وروّضه ليكون كالخاتم في الاصبع طائعا ذليلا وهو الضخم الجثة وقد ذابت صلابته وقوته وعناده بوسائل الخديعة والمكر والتلقين وينسى ان هؤلاء القوم ذوي الملابس الزرق هم من أوقعوه في التهلكة ولم يقوموا بإنقاذه منذ اول وهلة .
 
ومادمنا في ذكر الفيلة وخديعتها وترويضها بالوسائل الماكرة، فهناك ايضا مصطلح غاية في الفكاهة والتندّر يعرفه اهلنا كلهم وهو " تطيير الفيلة " وتحليقها في اعالي الفضاء سواء من قبل السلطة وشعبها الرازح تحت رحمتها دلالة على حجم الكذب الذي تمارسه سلطاتنا على شعوبها واذكر هنا بعض امثلة الكذب المفرط والتصريحات والوعود الزائفة بان بلادي العراق ستكون " يابانا " اخرى في صميم الشرق الاوسط ومركز اشعاع للشعوب المجاورة في التقدم والرقي والديمقراطية والنظام الجديد بعد الإطاحة بالدكتاتورية ثم تم تطيير أفيال أخرى بلسان مسؤول كبير بان العراق سيكتفي بانتاجه من الطاقة الكهربائية وينعم بالهناء ودعة العيش في القيظ الحارق التي تتجاوز درجات الحرارة بما يفوق الخمسين درجة مئوية في غالب أيامه وثم تشغيل مصانعه ومرافقه الاخرى والفائض من الكهرباء سيتم تصديره الى دول الجوار لتعمّ الحياة الهانئة في ربوع الرافدين والربوع الاخرى المجاورة .
 
بهذه الاساليب الماكرة المخادعة التي تقوم بها السلطات الشريرة الخبيثة يتم ترويض وتخدير الشعوب القوية الارادة والفكر والعضل لكي تكون واهنة ومطيعة ومستسلمة وخاضعة لمن تتوهم انه منقذها طالما انها لاتستطيع كبح جماحها فالحيلة والخديعة وحدها تلعب دورها الفعّال في جعل الشعوب مستكينة وراضية بقدرها وتتوهم انها تمتلك أناساً أمناء عليها مثل هؤلاء ذوي الملابس الزرق .
 
ألسنا قبلا في بلاد النهرين والتي أضحت الآن بلاد القهرين قد خدعنا بذوي الملابس الزيتونية من حثالات البعث والان نخدع مجددا بالعمائم وطيلسانات وجبب ولحى رجال الدين وتجار العقائد والمذاهب وامراء الحروب وزعماء الميليشيات وغيرهم من مخلوقات الدرجات المنحطة ومن الأقوام السافلة ورثاثات المجتمع ليقودوا ويتسلطوا ويحكموا بذرائع حماية الدين والمذهب والعِرق ويوهموا الناس السذج بانهم حصن الحماية الحصين والمدافعين عن الضعفاء والمنقذين والحامين والرعاة الشرفاء وهم ابعد مايكونون عن صيانة وحماية المضطهدين والمتعبين .
 
من يدري كم سيكون حجم الخديعة والترويض والتدجين والكذب والفرية على هذا الشعب المسكين المستكنّ في الاوقات اللاحقة بعد ان شبعنا وعودا زائفة في الاوقات الماضية الماحقة وقد يعمل هؤلاء على تطيير العراق كله الى غابات افريقيا او تحليقه الى مرابع الأمازون، فكل هذا جائز وحاصل في بلاد الواق واق العراقي .

جواد غلوم
jawadghalom@yahoo.com 

جواد غلوم

خريج كلية الآداب/جامعة بغداد / قسم اللغة العربية لعام 1974-1975. عمل في التدريس بعد التخرج لغاية العام/1990 وفي الصحافة وهو طالب في الجامعة ونشرت في معظم الصحف والمجلات وقتذاك. سافر إلى خارج العراق بسبب الاضطهاد وظروف الحصار وعمل خلالها أستاذا في الأدب العربي/ ليبيا. عاد للعراق سنة/2004 وينشر في العديد من الصحف الورقية والالكترونية. ولديه اربع مجموعات شعرية مطبوعة وكتابان بعنوان / مذكرات مثقف عراقي أوان الحصار، و قطاف من شجرتَي الادب والفن وهي مقالات في النقد الادبي .

jawadghalom@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved