قصائد من ديوانه "عظمة اخرى لكلب القبيلة"
تو فو في المنفى
"دُخانُ الحرب أزرق
بيضاءُ عظامُ البشَر".
تو فو
قرية يَصلُ إليها تو فو
دَسكرةٌ فيها نارٌ تكادُ تنطفئ
يَصلُ إليها عارفاً أنّ الكلمة
مثل حصانه النافق، دون حَفنة من البَرسيم
قد لا تبقى مُزهرةً بعدَ كلّ هذه النـَكبات!
كم ساحة معركة
مرّ بها تصفُرُ فيها الريح
عظامُ الفارس فيها اختلطتْ
بعظام حصَانه، والعشبُ سرعانَ ما أخفى البقيّة!
نارٌ تتدفّأ عليها يَدان
بينما الرأس يتدلّى والقلبُ حَطب
هو الذي بدأ بالتـِّيه في العشرين
لم يجد مكاناً يستقرّ فيه حتى النهاية.
حيثما كان، كانت الحربُ وأوزارُها.
ابنتهُ ماتت في مجاعة...
ويُقالُ في الصين إنه كانَ يكتبُ كالآلهة!
قرية أخرى يصلُ إليها تو فو
يتصاعدُ منها دُخانُ المطابخ
وينتظرُ الجياعُ على أبواب مَخبَز.
وجوهُ الخبّازين المتصبّبة عرَقاً، مرايا
تشهدُ على ضَراوة النيران.
تو فو، أنت، أيها السيّد، يا سيّد المنفى.
محمود البريكان واللصوص في البصرة
حَبلُ السُرّة أم حبل المراثي؟
لا مَهرَب: فالأرض ستربطنا إلى خصرها
ولن تترك لنا أن نُفلتَ، مثلَ أُمّ مفجوعة، حتى النهاية.
كلّ يوم من أيامنا، في هذه الأيام، جمعةٌ حزينة!
ويأتيني، في الجُمعةِ هذه، خبَرٌ بأنّ البريكان
ماتَ مطعوناً بخنجر
في البصرة
حيث تكاثرَ اللصوص، وصارَ القـتـَلة
يبحثونَ عن... يبحثون، عَمَّ صارَ يبحثُ القتـَلة؟
حتى هذا الشاعر الوديع لم يَنجُ، هو الذي
كان يعرفُ منذ البداية لونَ القيامة، وهجرةَ الفراشة
نحو متاهة العالم السفلي، حيثُ الليل، واللّـه، واحد.
أكانت هذه معرفتك، هل كان هذا سرّك؟
كنتُ أراك، أنتَ الملفَّع بغشاء سرّك
بين حين وآخر، في مقهى «البرلمان»
حديثنا عن رخمانينوف، عن موتزارت.
واليومُ الذي أتذكّركَ فيه
اليومُ الذي فيهِ بالذاتِ أراك:
كنتَ اشتريت «صُوَر من معرض» لموجورسكي
من «أوروزدي باك »...
واللـّه أعلـَم كم كلّفتكَ تلك الأسطوانة
من راتبك الضئيل!
(سأُسمِعُها، في ذكراكَ، اليومَ، نفسي.)
سأصغي... وها هو الخبَرُ يأتيني.
حبلُ السُرّة انقطع، وامتدّ حبلُ المراثي.
إنه الليل. نـَمْ، أيّها الشاعر. نـَم، أيّها الصديق.