وفاءٌ مستعادٌ

2014-03-28
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/2ede2d9b-30ab-4adc-af98-8d4359dfc7b2.jpeg
نعم !
أحببْتَها  ...
من نصفِ قَرْنٍ ، وأنتَ تئِنُّ ؛
تذكرُ كيف أسرى بوجْدِكُما  قطارُ الليلِ ...
لم تُحبِبْ سواها
وإنْ عاشرتَ سبعاً من العَبِقاتِ وُدّاً .
أنت تدري ... كأنك لم تُقَبِّلْ غيرَها !
ما زال طَعْمٌ من الجوريّ في شفتيكَ ، منها ...
لقد أدميتَ منفتَحَ الطراوةِ ،
أين تمضي بكل الوردِ ؟
لم يذبلْ
ولم تذبلْ
كأن القطار يظلُّ من بغداد يسري
إلى نخلِ الجنوبِ ...
كأن ماءً شفيفاً من عيونِ الله
يجري .



هذا القطارُ الذي مضى بكما ، القطارُ ذو السكّة الضيّقة
القطارُ ذو مقصورة النوم الصغيرة مثل غرفة أطفالٍ ...
سوف يحملك ، يوماًما ، من البصرة إلى بغداد ، مكبّلَ اليدين.
كم حاولتَ أن تؤنسَ الشرطيّ المكلَّف ! كنتَ فتىً آنذاك !

نعم ... أحببْتَها
كانت فتاةً لها طَعْمُ العجينِ
وكان فيها من الطّلْعِ المفَتَّحِ ما تَقَطَّرَ  ...
كنتَ تدري بأنكَ لن تنامَ
وكنتَ تدري
بأن فتاتكَ انتظرتْ طويلاً لتهنأَ بالقطارِ .
لقد وصلْنا !

عربات الدرجة الثالثة ، التي تنقل الجنود والفلاّحين والطلبة الفقراء
العرباتُ التي يئنُّ فيها الخشبُ ، ويئزُّ الذبابُ والسعالُ والـصهدُ ،
هذه العربات تتنقّل بالسجناءِ ، ليتوزّعهم العراقُ العميقُ . كنتُ
مع الرفيق سامي أحمد ، رسغي اليمين مُوْثَقٌ إلى رسغـه الشمال .

أخيراً
تعلّمتُ أن الحياةَ التي قُدِّرَتْ لي ، هيَ الصورةُ !
الأمرُ أعسرُ من أن تقولَ : لقد عشتُ ...
أبسطُ من أن تقولَ : سلاماً !
إذاً ، فلْنكُنْ في القطار ...

نعم  ...
أنت أحبَبْتَها !

لندن 22.06.2013

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved