هي اقدمُ ديانةٍ موحدةٍ عرفتها البشرية، وقد نشأت، بحسب مصادر تأريخية في جنوب العراق، في منطقة الطيب في ميسان، ( مدينة العمارة جنوب العراق )، وانتشرت في مدن الجنوب كافة، وفي الاقضية والنواحي المحيطة بالألوية الجنوبية ممتدة الى عربستان في ايران .
سادت هذه الديانة بين جزء من سكان العراق الأوائل، عبر تأريخِه الحضاري في بلاد مابين النهرين، سكان بطائح جنوب العراق وفي مناطق قريبة من الأنهار الجارية، والتي كانت تشكل أهمية كبيرة في حياتهم الاجتماعية والدينية، حيث اقامة طقوسهم الدينية في ماء الانهار الجاري، وامتدت ديانتُهم كذلك الى فلسطين والشام ومصر في زمن الفراعنة ... وللصابئة كتيب يسمى ( حران كوثيا ) يتحدث عن هجرة المندائيين التي قاموا بها من اورشليم في فلسطين سنة 70م بعد الاضطهاد الذي حصل لهم على يد السلطات الدينية والحكومية في هذه المدينة التي كان يسيطر عليها الحكم الروماني، ليعودوا الى موطنهم الأصلي، وادي الرافدين، وكانت هذه الهجرة برعاية الملك أردوان ( أرطبيانوس الثالث ) ...
انها ديانة الصابئة المندائيين، وتاريخهم العريق الذي غُلِّف بالكتمان والغموض، نتيجة انزوائهم وانغلاقهم الديني بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له خلال فترات متعاقبة من تاريخِهم، فكان الأنزواءُ وسيلتَهم للحفاظ على دينهِم وتراثِهم .
وكلمة صابئة مشتقة من الفعل الآرامي المندائي ( صبا ) أي غطس أو ارتمى في الماء الجاري، أما كلمة مندائيون فهي مشتقة من الفعل الأرامي ( دا ) التي تعني ( العالِم – العارف - فيكون معنى الصابئة المندائيين هو:
الصابغون العارفون بدين الحق، واتفق أغلبية الباحثين والمستشرقين على أن كلمة صابئي جاءت من الجزء الأرامي وليس العربي للكلمة " صبأ ".. ومن اسمائِهم الأخرى المغتسلة اي ( من غسل ) أي تطَّهر ونَظُف في الماء ...أي ربى شلمالي، المشتقة من ( شلم )، الأرامية والتي تعني المسالم.. أبنيء نهورا اي أبناء النور.. اخشيطي من كشطا، أي أصحاب الحق ..
العيد الكبير ( دهبا ربا )
هو عيد رأس السنة المندائية، الذي يعتبره المندائيون وفق ديانتهم ذكرى تجلّي الخليقة الأرضية، وفيه يسمح الله تعالى للملائكة أن يزوروا عالم النور، ثم يعودون بعد انقضاء العيد إلى أماكنهم ...
يعتقد المندائيون أن في هذا العيد يحدد الله تعالى طالع السنةِ القادمة، ولذا أطلقوا عليه اسم "عيد قدوم المعرفة الأولى"، والمعرفة الأولى هي نزول كتابهم المقدس ( كنزا ربّا )، لذا فأنها ليلة مباركة، يقضونها بقراءة الأدعية والتسابيح لغاية انبلاج الفجر، باعتبار أنه يوم تلبية الدعاء وقبول الرجاء لكل قلب وضمير وفكر طاهر .
يصادف هذا العيد حسب العرف المندائي في أواسط شهر تموز من كل عام، وفيه يمكث المندائيون في بيوتهم لا يغادرونها لمدة ست وثلاثين ساعة متواصلة .
يجري الصابئة المندائيون مراسيم التعميد الجماعية والطقوس الدينية الاخرى ضمن الاحتفال الديني للطائفة بمناسبة العيد الكبير ( دهبا ربا ) ويستمر هذا العيد لمدة ثلاثة ايام”. يحتفل الصابئة المندائيون في هذه الايام بالخلق الدنيوي، وفق النصوص الدينية المندائية، حيث تم تكثيف الارض وتهيئتها لخلق النبي آدم وزوجه حواء، ولتبدأ بهما السلالة البشرية، وتنتهي هذه المناسبة بعد سبعة ايام بعيد شوشيان اي ( عيد السلام )”.
وضمن الطقوس الدينية للصابئة المندائيين في هذه المناسبة يعتكف ابناء الطائفة لمدة 36 ساعة اي يوما بليلتين، ويعدون لها بخزن الماء والطعام لاستعمالهما خلال هذه الساعات، وبعد انقضائها يتبادل المندائيون الزيارات والتهاني وغيرها من الامور الاجتماعية الاخرى السائدة في المجتمع العراقي” .
* ما علق في ذهنها من ايام طفولتها ضمن الاستعدادات المتعارف عليها لهذا العيد تقول السيدة ( ل. خ. ) :
من بين الطقوس التي كانت تحرص عليها والدتي هو عمل صينية كبيرة من الطين النقي غير المفخور، تسمى ( الطريانة )، توزع عليها صحون تصنعها من نفس الطين، يكون عددها بعدد افراد العائلة، يتوسطها صحن مملوء بماء النهر الجاري، وتملا الصحون التي حوله بأنواع المأكولات وانواع الفاكهة والخضر، وتزينها بالآس ذو الرائحة العطرية النفّاذة، وهو نبات مقدس يستعمل في جميع الآعياد والمناسبات لدى المندائيين، ثم تغطي الطريانة بقماش ابيض وتتركها حتى صباح العيد، لنأكل منها بعد ان تكون قد اكلت منها الملائكة في الليلة التي تسبق العيد ..
لقراءة معمقة عن تاريخ ديانة الصابئة المندائيين اليكم هذا الرابط :
http://www.mandaeannetwork.com/mandaean/ar/books/mandaeannetwork_mandaean_asol_alsabia_almandaean.html