في ظل الأجواء العنصرية والفاشية السائدة في البلاد، وفي غمرة سن وتشريع قانون " القومية "، وفي واقع اسرائيلي يحرض فيه ساسة اليمين المتطرف على الفلسطينيين والعرب بشكل يومي، يجيء الحكم السياسي بالسجن أربعة شهور على الشاعرة دارين طاطور، ابنة الرينة الجليلية، بتهمة التحريض من خلال كتابة قصيدة ونشرها على صفحتها في الفيسبوك .
وهذا الحكم الاسرائيلي الجائر بحق الشاعزة طاطور، يطرح اسئلة كثيرة عن جهاز القضاء عندما يتعلق الأمر بالانسان الفلسطيني، فيختار في الكثير من الحالات تبني خطاب المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة ازاء الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة .
فكم من وزير صهيوني وبالأخص الترانسفيري ليبرمان يحرض ليلًا ونهارًا على القتل والاعدامات الميدانية، ويدعو الى قصف غزة، أليس هذا تحريضًا مباشرًا ؟؟!
وكم من سياسي اسرائيلي برر الحصار والطوق الاحتلالي ضد غزة وأعمال القتل والتجويع والاغتيالات السياسية التي طالت قادة المقاومة، افليس هذا تحريضًا أيضًا ؟
فلماذا لا يقدمون هؤلاء الى المحاكمة ؟ الجواب طبعًا معروف للجميع .
ان " جريمة " الشاعرة الريناوية دارين طاطور انها طرحت عبر قصيدتها وسجلت موقفًا يناصر الحق الفلسطيني، برفض الاحتلال ومقاومته بالأسالييب والأشكال النضالية المتاحة والمعترف بها دوليًا في مواجهة المحتلين والمستعمرين .
ودراين طاطور ليست الوحيدة التي تواجه حكم القضاء الاسرائيلي، بل سبقها الى ذلك شعراء المقاومة والكفاح والاحتجاج ابان الحكم العسكري البغيض، أمثال راشد حسين وتوفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم ومحمود دسوقي وحنا ابو حنا وغيرهم .
هذا بالاضافة الى الشاعر شفيق حبيب، طائر الفينيق المنبعث بركانًا من رماد، الذي صودرت مجموعته الشعرية " العودة الى الآتي "، واعتقل في العام ١٩٩٠ وحوكم بتهمة التحريض ودعم الانتفاضة وتأييد منظمة التحرير الفلسطينية، فسجن وخضع للاقامة الجبرية واستمرت محاكمته حتى العام ١٩٩٢، ووصلت الى أروقة محكمة العدل العليا .
في الحالة الاسرائيلية والاحتلال الممتد تنقلب المعايير والمقاييس والمفاهيم والموازين فيصبح من حق المحتل القاهر القامع أن يحرض بشكل عادي، أما حين يرتفع صوت الشعب المقموع المقهور المصادرة أرضه وحقوقه وحرياته حاملًا في قلبه وعقله وروحه الحق بالكفاح والنضال الشرعي والمقاومة الشعبية فان الطريق الى تجريمه تتسارع، ويصبح من السهولة محاكمة القصيدة والشاعر .
فالمجد والحرية للشعر وللمبدعين وللابداع المقاوم الرافض الغاضب الملتزم، والعار والسقوط للاحتلال . وتحية حب لكل شعراء الوطن والجرح الفلسطيني، الذين يرسمون حدود وجغرافيا الوطن بحروف ممزوجة بدماء الشهداء، وينسجون من اجسادهم قصاند وأشعار وحروف صادقة من اجل فلسطين واستقلالها وحرية شعبها .