يلعنون الطائفية ويعملون على ترسيخها !!

2020-09-20

من غرائب مايجري في بعض أوساطنا الإجتماعية وبتأثير من الأوساط السياسية العربية وبالذات في العراق الآن وفي لبنان وسوريا وبدرجة أقل في البلدان الأُخرى أنك ترى كثيراً ممن يشتم الطائفية ويلعنها ويبدي مساوئها، لكن قلبه يفيض بها وتحنو نفسه إلى طائفته متمرغا في ترابها الملوث بالكراهية للآخرين كمن يأكل ورق الخسّ وينسى سماده الذي توغل في وريقاته يعلكها بأسنانه منتشيا زابداً ماءً يسيح حقداً وانتقاماً وعداوة للأطراف الأُخرى وكما يعلم العراقيون وقد يجهل أبناء بقية الدول العربية إن سماد ورق الخسّ هو من الفضلات البشرية " الخراء " ولا شيء غيره لينمو ويكبر وترتوي أوراقه من تلك الفضلات .

 فالطائفية سواء أن كانت عِرقية أو دينية أو مذهبية يمكن توصيفها أنها رائحة كريهة تنبعث من فم حاملها دون أن يشعر ويعلم بنتانتها ويحسّ بعفنها لكن القريبين منه الذين يسمعون انبعاثات لسانه يشمّون ما فاحت من جيف الحقد والضغينة والبغضاء .

فالعقل حين يضيق ينحو منحىً طائفيا لأن الوطن أكبر بكثير من الطائفة التي لا تعدو أن تكون كيانا دينيا أو عِرقيا أو تمذهبا لفئةٍ معينة؛ فمن يختار أن يكون طائفيا لا يمكن أن يكون وطنيا مخلصا لبلاده أبدا، فالطائفي الضيق الصدر أبعد مايكون عن عقيدة حب الوطن المقدسة وكلما تفاقمت الطائفية واشتد أوارها برزت العنصرية قرينا لها وليس بعيدا عنّا تجربة جنوب أفريقيا والتي عانت طويلا من نظام " الأبارتيد " الموغل في العنصرية قبل أن يتوحّد سكانها البيض والسود بزعامة نلسون مانديلا .

 نقول لساستنا " الكرام جدا " إن الوطن أكثر اتساعا وأكبر بكثير من الطائفية ولمن يريد أن يرهن نفسه للعمل من أجل الوطن فلينسَ الطائفية والتمحور لهذه الفئة أو تلك .

أكتب عن هذه الظاهرة المقززة وأنا أسمع في الوقت الحاضر دعوات لأحيائها والتعويل عليها والنفخ في رمادها لإشعالها مرة أُخرى بشكل أشدّ سعيرا مما كانت في السنوات السابقة المريرة التي ذاق أهلنا طبختها العفنة السامة القاتلة قبلا .

ولمن يريد الرقيّ والنماء لعراقنا ديمقراطيا فليطمر الطائفية في أعمق غور لأن الديمقراطية عمادها المواطنة والسواسية بين سكان البلاد على اختلاف مللهم ونحلهم ومشاربهم وأعراقهم وعقائدهم فالتمحور الطائفي لا يؤسس دولة عدلٍ كما أن الدولة التي تنشأ وتتأسس على نظام طائفي تخلق أزمات طائفية حتى تستمرّ ويبقى الوطن عرضة لأزمة إثر أخرى إلى أن يصل الأمر إلى استحالة العيش المشترك بين مواطنيه، من هنا يبدأ النزوع نحو التقسيم والتفتت والتشرذم والمحاصصات على طريقة هذا لرهطي وهذه لفئتي كما يحصل الآن فذلك الموتور يدعو إلى إقليم سني وذاك يهيئ نفسه للإستقلال بذريعة استحالة العيش المشترك مثلما حصل سابقا في السنوات التي تلت الإحتلال حين دعا بعض سياسيينا الغارقين في الطائفية إلى تكوين كيان لطائفة معينة على شكل إقليم فيدرالي أو كونفدرالي في وسط وجنوب العراق والأمر لا يعدو كونه حنكة سياسية أمريكية المحتوى جاءت بمشروع التقسيم للسيطرة والتحكّم بالكيانات الصغيرة التي ستنشأ لاحقا وفق ما جاء به اليانكي الأميركي الديمقراطي (جو بايدن) في مشروعه الخبيث الطويّة قبل عدة سنوات؛ تماما كما وصلتنا هدية الديمقراطية الملوثة بالطائفية واتضح بعد فتح غلاف سيلفونها الجميل ظاهريا فاتضح أنها هدية مسمومة أطاحت بشعبنا العراقي وملأت أحشاءنا بالأوجاع والقيء إلى يومنا هذا؛ والخوف  كل الخوف أن يفوز هذا البايدن  في الإنتخابات الأميركية المقبلة ويعود إلى برنامجه الأول التقسيمي ويعمل على ترسيخه ويبدو أن جمهوريي أميركا وديمقراطييها  الحزبين الرئيسيين فيها يعملان على توجيه سياسيينا بالرمونت كونترول لإثارة فكرة التقسيم الطائفي بين آونة وأخرى .

 فيا أيها الطائفيون، أنتم تشتمون أنفسكم وتسيئون لأتباعكم، لستم وطنيين مهما ادّعيتم كذبا وبهتانا ومَيْنا فمن يعمل خيراً لوطنه كلّه محال أن يكون طائفيا ومن يتحزّب لمجموعة معينة يضيق صدره بالوطن فلا تقولوا بألسنتكم مما ليس في قلوبكم؛ فالعراق أشمل بكثير من الطائفة مهما كثرت أعدادها وأكبر من الحزب مهما اتسع في صفوف الرعيّة .

لا نغالي اذا قلنا أن الميل الطائفي هو علّة ترافق غير الأسوياء ومنهم المرضى غريبو الأطوار المليئة قلوبهم كراهيةً للآخرين ظنّا منه أنه سيرفع شأن طائفته إذا بثّ المقت والحقد والكره كي يهلل له الجهّال من بني جلدته لكنه سيخسر وطنه حتما ومن يختار اللعب بخزعبلات الطائفية لا يكون وطنيا أبدا وفاقدا للحرية أيضا لأنه مرتهن بطائفيته ومحبوس في أسارها، فأينما تكون الحرية يكون وطني على حدّ تعبير الشاعر البريطاني البصير (جون ميلتون) .

أكاد أوقن أنه كلما رأيت طائفيا وسمعت منه شيئا أتحسس منه سمات الوحشية لأنها - ايّ الطائفية - لابدّ أن تخلق أعداءً لتكون فريسة لها، ولكي تستمر بمنطقها الإختزالي المبنيّ على اتهامات الغير لتستعدي وتخلق أهدافا حتى ترمي سهامها سواء كانت صائبة أم طائشة .

ويخطئ من يظنّ أن رعاة الطائفية يجنحون للسلم وكيف للسلم أن ينمو في نقيع ماءٍ راكدٍ لفئة واحدة وزمرة معينة على العكس من العدالة والمساواة التي لابدّ أن يجري شريانها لتعم الوطن كله وتشمل أهل هذا الوطن دون النظر إلى طوائفهم وعقائدهم وألوانهم العرقية ومذاهبهم الدينية . فالطائفية لعنة مركّبة بكل لوثات ضيق الأفق، ابتليت بها بلادنا، دخلت علينا خلسة من دروب التضاريس الدينية الوعرة المسالك والغريب أنها تسمح وتأنس لمريديها بشتمها وإظهار شرورها مثل مجرم ينتشي لذكرِ أعماله الشريرة ودناءة إجرامه وعنتهِ وقوتهِ وتعسّفه وتنتفخ أوداجه طربا لمسلكه المشين الذي يظنّ انه بطوليا، فالطائفي مجرم لا يثق بمواطني بلاده متعددي الأعراق والمذهب والعقيدة الدينية وإن لم يلوّث يديه ظاهريا وإنما يلوّث لسانه حقدا وكراهية للغير ولذلك يستحقّ اللعنة والعقاب الصارم معاً .

 

 

 

جواد غلوم

خريج كلية الآداب/جامعة بغداد / قسم اللغة العربية لعام 1974-1975. عمل في التدريس بعد التخرج لغاية العام/1990 وفي الصحافة وهو طالب في الجامعة ونشرت في معظم الصحف والمجلات وقتذاك. سافر إلى خارج العراق بسبب الاضطهاد وظروف الحصار وعمل خلالها أستاذا في الأدب العربي/ ليبيا. عاد للعراق سنة/2004 وينشر في العديد من الصحف الورقية والالكترونية. ولديه اربع مجموعات شعرية مطبوعة وكتابان بعنوان / مذكرات مثقف عراقي أوان الحصار، و قطاف من شجرتَي الادب والفن وهي مقالات في النقد الادبي .

jawadghalom@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved