يارا الغضبان وهموم البحث عن الهوية في عالم الشك

2009-06-17
 في عالم أصبحت علامته المُمَيزة، الحيرة وعدم اليقين، عالم ملئ بالشك بالمعتقدات التقليدية والنماذج الأساسية التي تتزامن مع عصر سمته الرئيسية وسائل الإعلام الفعالة وحرب المعلومات ، والتسابق على الريادة في تسارع التطور التكنلوجي والإتصالات، التي حوّلت هذا العالم الى دائرة محكمة، لا نمتلك الاّ بوابات الأسئلة التي لا زالت تبحث عن ذلك الأمل في وجود من يرتب الأشياء ويبعد عنها تأثير الفوضى ويساهم في خلق رؤية جديدة وهوية مميزة، في هذا العالم، ومن بين هؤلاء الذين يحاولون اختراق تلك البوابات الموصدة، هنالك شابة فلسطينية، دائبة الدراسة والبحث في مجال الموسيقى التي كرست معظم حياتها في التعمق في ثناياها، لإيمانها بان الموسيقى زخم روحي وفكري يستطيع ان يبرمج طاقة الإنسان، وان يعطي الإحساس بعمق جمال الوجود الإنساني ...

يار//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f21f9858-9859-42f9-a9ce-8fb894306641.jpeg ا الغضبان شابة حصلت على شهادة الماجستير بالاثنوميوزكولوجي، وهو البحث في موسيقى الشعوب، وعلاقة الموسيقى وتأثيرها على المجتمع، وكانت اطروحتها للدكتوراه في مادة انثروبولوجيا الموسيقى، وهو علم الإنسان ومدى تأثير الموسيقى في حياته، كما انها تدرّسْ هذه المادة في نفس الجامعة التي تدرس فيها ( جامعة مونتريال )، لذا فإنها دائمة الإنشغال في البحث والمتابعة والتحضير .

عودة الى الجذور

وكي تقدم لنا خلاصة تجربتها في دراستها الموسيقية كان لنا معها هذا الحوار:

* ما هي طبيعة دراستك ؟

- كانت دراستي في انثروبولوجيا الموسيقى، كفرع من فروع علم الإجتماع .

* والهدف ؟

- محاولة لاكتشاف دور الموسيقى وتأثيرها في المجتمع، وكذلك تأثير الموسيقى في تطورالمجتمع، وهذه الدراسة تمكنني من دراسة الفلسفات عبر التاريخ ودراسة الحركات الإجتماعة والسياسية وكيف عبَّرت الموسيقى عن هذه الفلسفات وهذه الحركات واستوعبتها .

* كيف كانت البداية ؟

- في البداية درست الموسقى الكلاسيكية وعزفت روائعها على البيانو، ودخلت مسابقات عديدة استطعت من خلالها ان احقق شيئاً مهماً في عالم الموسيقى، الا انني فجأةً شعرت بالغربة معها، وشعرت انني لازلت لم اجد نفسي فيها، ولا بد لي ان أعود الى جذوري، فانتقلت بالفعل الى الأغاني والموسيقى الفلسطنية الحديثة ,

* وهل ثمة موسقى فلسطينية حديثة ؟

- لقد نَجَحَتْ الموسيقى الشعبية في التعبير عن هوية الفرد الفلسطينيني وعن خصوصية انسان الشارع والحقل، وهي أيضاً محملة بحكايات شعبية تعبر عن الهموم والأماني والأفراح، كأغنية الدلعونة وموال الهوى، واغاني اخرى كثيرة وبذا كانت محور القسم الأول من دراستي في الماجستير، والجزء الثاني كان في الموسيقى الفلسطينية المعاصرة، عندما زرت الضفة الغربية كانت هنالك فرقتين هما فرقة صابرين وفرقة الموسيقى الشرقية الحديثة، والفرقتان تقدمان موسيقى تراثية عربية، التقيت بموسيقيي هاتين الفرقتين، فوجدت فيهما حالة مميزة، فاغلبهم درس الموسيقى في دول الغرب ثم عاد الى الضفة الغربية ليدرّس في الكونسرفاتوار، وهؤلاء الموسيقيين يقدمون موسيقى معاصرة الاّ انها تحمل مضامين وطنية، كالأعمال التي سادت فترة السبعينيات ورائدها الفنان مارسيل خليفة ...

ولقد شارَكَتْ هذه الفرق في مهرجانات عالمية واصبحت لها شهرة، لكن مع هذا نستطيع القول ان الموسيقى

الفلسطينية الحديثة لا زالت في أول الطريق، لكن الجو الذي خلقته هاتان الفرقتان شجعني على دراسة الموسيقى الفلسطينية الحديثة ...

* والدكتوراه ؟

- كان في نيتي ان أستمر في دراسة الموسيقى الفلسطينية، لكني وجدت ان ذلك غير ممكن، اولاً لتردي الأوضاع السياسية بحيث اصبح من الصعب الذهاب الى الضفة الغربية، والشئ الثاني انني أصبحت ام لطفلتين وبذا اصبحت مقيدة بمسؤلية كبيرة ولم يعد بإمكاني السفر متى ما أحتاج ... ففضلت ان أدرس شئ لا يضطرني المخاطرة بحياة عائلتي .. وملخص دراستي هي جواب على سؤال ( كيف تعبر الموسيقى عن الهوية في عالم الشك وفقدان الهوية ؟ )


الآن ادرس الموسيقى المعاصرة ولكن للمؤلفين الكيبكيين، فالمجتمع الكيبكي عبارة عن اكثر من هوية في هوية واحدة ...

* كيف تفسرين هذا التنقل، من الغربية الى الفلسطينية الشعبية، ومن الشعبية الفلسطينية الى الفلسطينية المعاصرة ثم العودة الى الموسيقى الغربية ؟

- انه ليس تنقل، انها مرحلة تكمل بعضها البعض، مثلاً عندما أدرس الموسيقى الغربية لم انقطع نهائياً عن الموسيقى الشعبة الفلسطينية، فإنني اتابع ما يكتب عنها في المجلات المختصة، واكتب عنها وأنشر المقالات في هذا المجال، في دراستي ليس هنالك ما يسمى اترك شئ وأذهب الى آخر انها حلقة متلاحمة ...

* ما هي المرحلة الآن ؟

- انا الآن في حرحلة دراسة موسيقى الشباب من العشرين حتى الثلاثين وخلالها ارجع الى كل حركات النهضة العربية في القرن العشرين، اذا أردنا ان نشكل البلد بشكل متطور، بلد متفتح نستطيع ان ننتمي اليه كمواطنين، لا بد ان نحدّْث الموسيقى ونحدّْث التكنلوجيا، ولكن، هذه الحداثة بالضرورة تخلق الشك في كل شئ، في الحياة، في الثقافة،بالتقدم الذي يقودنا الى حرب عالمية ثالثة، بالقومية التي أوصلتنا الى حروب أهلية، حتى العلم الذي كنا نفكر انه حقيقة ثابتة، جاءت نظريات جديدة تشكك فيه، كان في الماضي شئ اسمه تراث موسيقي، يتجه اليه كل الموسيقيين، هذه القضية ايضاً تلاشت، والسؤال الذي أحاول ان اجيب عليه من خلال دراستي هو كيف نستطيع ان نوجد موسيقى في عالم لم يعد فيه شئ نستطيع ان ننتمي اليه، او نستعمله لتمييز هويتنا ؟ كيف نخلق هوية مميزة وسط هذه  التحولات ؟ ... وانا اتحدث اليك يحضرني تعليق لإحدى زميلاتي الكنديات حيث قالت : في الماجستير استطعت ان تحلّي عقدك مع هويتك الفلسطينية، وبالدكتوراه عليك ان تحلي عقدة هويتك الجديدة او كيف توجديها في عصر العولمة ؟؟؟

شعب نابض على مر العصور

* هنالك من يتحدث عن هبوط الأغنية العربية، ما هو تعليقك ؟

- صحيح ان هنالك انحداراً ملحوظاً، ولكن ما دمنا نسمع عن موسيقيين مثل منير بشير وسمير جبران ومارسيل خليفة، فإن الأمل موجود .. وعموماً فالبلاد العربية تعاني من إحباط على أصعدة نفسية وسياسية واقتصادية ولا بد ان يؤثر كل هذا على الفنون والآداب ومن ضمنها الموسيقى، ان حالة اليأس لا تعطي فناً متماسكاً ...

* هل هذا يعني انك متفائلة ؟

- اكيد ... قديماً كان العالم العربي مستعمر من بلدان عديدة، مع ذلك كانت هنالك نهضة موسيقة تمثلت بسيد درويش، ام كلثوم، عبد الوهاب، وعدد آخر من العمالقة .. انني متفائلة بالمستقبل الذي اعتقد بأنه لنا ما دمنا شعباً حياً نابضاً وفاعلاً على مى العصور .

* وماذا عن الموسيقى الخليط بين الشعبي والحديث ؟

- انا لست ضد الخلط، بشرط ان يصدر عن موسيقي لديه ثقافة موسيقية عالية ودراية تامة بالموسيقى الشعبية والحديثة، وان يترافق النغمين ليعطيا هارموني جميل لا تحس الأذن فيه اي نشاز .

* هل تعتقدين ان الرحابنة نجحوا في ذلك ؟

- صحيح ان الرحابنة تأثروا كثيراً بالموسيقى الحديثة، لكن عند المقارنة نجد انهم لم ينجحوا في ذلك، وسر نجاحهم وصمود موسيقاهم يعود الى انهم استطاعوا ان يخاطبوا عامة الشعب العربي وان يؤثروا في مشاعرهم واحاسيسهم، في رأيّي اذا قدم الفنان شئ يستطيع ان يخاطب به الناس ويحرك مشاعرهم فهو فنان ناجح، ان دليل نجاح الرحابنة، اننا نسمعهم بقديمهم وحديثهم لحد الآن ويمكنني ان أقول انهم السبب في اختياري دراسة الموسيقى لأنني ومنذ وعيت الحياة اسمعهم كل صباح ..

* وكلمة أخيرة

- احب ان أقول، كي نصل الى العالمية لا بد من تنمية التذوق الفني ودور الفنان هو ان يلفت نظر المتلقي الى مواطن الجمال من حوله وان يضع امامه هدف تطوير وعيه وتطوير حسه وذوقه الفني، وللحكومات أيضاً دورها في ان تعمل على الحد من هجرة الكفاءآت من الشباب الى بلدان أخرى طلباً للحرية وتعويضاً عمّا ينقصهم في بلدانهم وامور كثيرة لا بد ان تتداركها كي تجعلهم متمسكين بالعيش في بلدهم .

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved