عـزف على حراك الجمـر

2009-12-16

أحيانا وأنت تتصفـح قائمـة كتب أو موقـع، تقـع عينيك علـى عنوان أو اسـم لمقالـة أو نص يشد انتباهك ويثير فضولك لقراءة فحـواه، ربما لتتأكد من العلاقة التي تربطه والعنـوان. وعند قراءتك له ينمـو بداخلك إحساس غريـب خاصة لما تجد أن هناك شيء منك فيه أو أن هذا الكلام المكتوب سبق لك وأن فكرت فيه أو ناقشته، سواء بينك وبيـن نفسك أو مع آخـر. فعلا هـذا ما حصل لي مع نص"عزف على حراك الجمر" فمرحلة قراءتي ومعايشتي لشخصياته شجعني علـى دراستـــه مـن ناحيتيـن: الأولـى تتجلـى في محتوياتـه الأدبيـة/كفكـرة موضــوع والثانيـة تتجلـى فـي محتوياتـه الفنية/كعمل مسرحي

.أولا/ المحتـوى الأدبـي:

النص يحيلنـا على شعـور وهـم إنسانـي يسكـن بين ضلوعنـا ويعكـس على حياتنـا ألا وهو الوحدة، هذا الإحساس المرغوب المرفـوض الذي يعد هاجسنا اليومي وموضوع حديثنا وآهاتنا وشكوانا. فرغبتنـا فيـه تكـون محـدودة ومتعلقة بحدث معين وتختلف من شخص إلى آخر وفي حالات متعـددة، فمثلا الرغبـة في الوحـدة يطمـح لها الفنـان/الباحـث "موسيقيا، مسرحيا، رساما، أديبا، شاعرا" بعزوفـه عن الناس خاصة عندما يكون في مرحلة مخاض وولادة إنتاجه كما يلتجأ إليها من يريد اتخاذ قرار فاصل ومحايد وكذلك تكون ملاذا للعاشق حينما يريد اجتـرار لحظاته السعيدة مع معشوقه. أما رفضنا له عندما يكون مفروضا علينا وما أقساه حينما تحس بالوحدة وأنت وسط الناس وبينهم ويتسلل لك إحساس ببرودة شديدة في أعماقك حتى ولو كنت في شهر"أغسطس" وتحس أن ذاك الكائن الذي يسكن بين ضلوعك فقد حيويته واحتفظ بنشاطه ألتوزيعي"ضخ الدماء في الشريان" وفي النص تجلى هذا الإحسـاس المرغـوب المرفـوض في شخصيـاته، لأنه يحكـي عن شخصيـن(العجـوز والعجـوزة) يعـد السكن والسن قاسم مشترك بينهما لكن تفرقهما أشياء عديدة، فالعجوز يرغب في وحدته حينما حدد محيط حياته وقننها في مثلث محكم هو التبضع وإحياء الحفلات الموسيقية وبعض الدعوات الخاصة ثم سجنها عند اختياره للعب
ـ القطار وبلايسيشن ـ يمضي يومه معها ، هل هو شعور استبدادي لديه لأن التعامل مع اللعب/جماد يتحرك برغبته ويكون طـوعا لأوامره أنسب مـن الأشخـاص/جسد وروح لديهم رغبة وميولا ضـد رغباته وميوله؟ أم هي حالـة وفـاء وإخـلاص لذكـرى زوجتـه المتوفيـة؟ أم لأنه فنـان وعـازف؟ وهذه فكـرة مستبعـدة لأنه لا يعـزف سوى قطع موسيقية لفنانين غيره. أما العجوزة فترفض الوحدة وذلك عندما غيرت سكناها بحثا عن التجديد وكذا محاولتها تنشيـط ذاكرتها من خـلال اقتراحـها لعبـة تجمعهـا وجـارها تتسـم بالحركـة والكلام والمشاعـر محطمـة بذلك جـدار العزلـة والوحـدة


ثانيا/ المحتوى الفنـي:

من خلال سرد وقائع النص يظهر جليا أن مكانه هو إحدى الدول الأوروبية، وهذا الإحساس يتسرب لك أولا من الوضعية المادية للشخصيتين، في اقتنائهما شقق عوض غرف أو دار للمسنين، ثانيا المستوى الثقافـي أو في اختيـار لميولهم، فمثـلا الرجـل عازفـا على البيانـو ولا يعزف سوى قطـع عالميـة (البولونـيز لشوبـان، لمندلسـون) والمـرأة ممثـلة لا تمثل إلا أدوار تدخل في مجال المسرح العالمي "أدائها لشخصية أوفيلـيا"

ثالثا عامل العـادات أو ما يسمـى الثقافة الشعبيـة، ففي مجتمعنا العربـي/الشرقـي يستحيل وجود امرأة في سن السبعين تكـون لها جـرأة تماثـل جـرأة المرأة الغربيـة.فالعجوزة في النـص خلقت لعبة جسدت فيها الغزل وكانت هي السباقة في طرح الفكرة حينما قالت:"ما أن تنتهي من طفولتك تجدني واقفة على الناصية أنتظرك لنعيش الشباب معا".هذا مـن جهـة، ومن جهـة أخرى ارتكانـه "أي النص" على بعـض الأدوات التي توحي بذلك كالبيانـو مثلا وكذا على بعـض الحركـات أو التعامـلات كتعاطـي المـرأة للسجـارة وتدخينهـا بطـريقة خاصـة إلى جانـب تشخيصـها لتصرفـات بعــض المعجبـات التي لديها سلوكـا وجرأة لا تتلاءم سلوكيات المـرأة الشرقيـة عامة والمـرأة الشرقية المسنة خاصة ربما مستقبلا لـذا عندمـا تمت ترجمـة النص إلى اللغـة الفرنسية كانت محاولة ناجحة ومدروسة لأن هذا الاختيار ليس عفويا وإنما مقصـودا نظـرا لحمولـة أحداثـه وأجوائـه الملائمـة للحيـاة الأوروبيـة أظن أن هناك خطأ تصوري تسلل للنص عندما ربط النهر بحركـات البحـر، فالنهـر ليس له أمـواج ولكن له صـوت وهو الخرير، فالنهر جامد وحركته مرتبطة بعامل التيار الهوائـي الذي يتحكم في صعود وهبوط مستوى صوته وحتى جوانبه تفقد وجود الرمال بل توجد تربة ذات نوع خاص اللهم إذا كان النهر قريب من الشاطئ أي في مرحلة المصب وبالرغم مـن ذلك تبقـى نسبـة وجود الرمال قليلـة. لكن يبقى هناك تصـور جميل حينما تم تشبيه الأمواج بالجمهور المتواجد بالقاعـة ففعـلا لكـل متلقـي حالـة نفسيـة تـوازي حـالات المـوج هنـاك الهـادئ والصاخـب والثائــر والليـن والقاسـي والعنيد الذي ينكسر إذ واجهتـه صخـور عاتية ويعيـش رهينـا بتقلبـات جويـة تعكـس على صفـاءه واضطرابـه .

 يعـد النص "عزف على حراك الجمر" نوتـة على أوتار روحنا وكم سيكون رائعا إذا بثـت فيه روح بفعل الحركة والتجسيد وتجملت بمساحيق سينوغرافيا ملائمـة تحت رئاسة مايسترو ذا إحساس رهيف يتبنـى فكـرة النـص ويسمـو بها إلى مدارات الرقـي لأنه ينـدرج في قائمـة الأعمـال العالميـة التي يمكن الاشتغال عليها دون أن تفضـي إلى التغريـب
بشـــــــــرى عمــــــــور / المغــــــــرب

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved