“بين العشق والألم” - توتر العبارة الشعرية
قراءة
طالما كتبت
عن الحب
لكني وجدت
ابلغ الكلمات ...اللقاء
"فى كل رحلة جديدة سنصل حتما إلى حقيقة واحدة.. إن صعقة الحب متى حدثت فإنها تجد طريقة لتبقى، بالرغم من كل شيء.."
إن الحب من وجهة نظر فلسفية سعي إلى العودة إلى الأصل، قد يكون هذا السعي جسديا يميل بمقتضاه الرجل/ الذكر إلى المرأة/ الأنثى باعتبارها أصلا له، لأن هنالك من يعتبر أن الذكر تطورعن أنثى، ودليل ذلك قصة الخلق التي تتحدث عن صدور حواء من ضلع آدم .
كما قد يكون روحيا غير مرتبط بميل جسد إلى جسد، وإنما مرتبط بميل الروح الجزئية إلى الروح الكلية التي صدرت منها، وهو الذي يعبر عنه المتصوفة بالإتصال والحلول، وفي ذلك يقول ابن عربي “أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه، فالحب ديني وإيماني” .
قد يتخذ حب الإنسان للإنسان أشكالا مختلفة، وقد ذكر بعضها ابن حزم في كتابه “طوق الحمامة في الألفة والألاف”، حيث تحدث عن أن هنالك من أحب من نظرة واحدة، وأن هنالك من أحب بالسمع فقط، وأن هناك من لا يحب إلى بطول المعاشرة…الخ. وفي هذا السياق ميز الباحثون بين أصناف من الحب، منها: الحب الأفلاطوني، الحب الصامت، الحب الأناني، الحب الشهواني، الحب الرومانسي…الخ .
اقتباس
سألتني
عن مدى حبي لها
وشغفي بها
سلي قلبك اللاهب
حين تلتقي العيون...ص40
العنوان وعتبات النص بات جلياً أن عنوان النص ليس ملفوظاً لغويا أو اسماً يَسمُ العملَ الأدبي ويعلن انتماءَه لمؤلفه حسب، وإنما هو (نصٌ موازٍ) يضيء عمارة النص ومساحاته المخفية، ومفتاحٌ يضع القارىء على باب تلقيه وتحليله وتأويله وتداوله . ولما كان يستحب في العنوان أن يجيء موجزاً لغوياً، فقد حقق عنوان (المراة/موج البحر) بهذا التركيب المقتصِد شرط الإيجاز المناسب للبدايات، وجاء مولداً للدلالات التي خطط المعنوِن/المرسِل لتوليدها عند المعنوَن له/المرسَل إليه، مستثيرا، التفاعلَ بين معارف المتلقي ودوال العنوان . إن معاينة سيميائية متفحصة لعنوان (المراة ) تؤشر إلى أن العنوان نجح في أداء الوظيفة الأولى من وظائفه وهي الوظيفة التعيينية .
والعنوان، إلى حد ما، أدى الوظيفة الثانية من وظائفه وهي الوظيفة الوصفية فعبر هذه الوظيفة يقدم العنوان، بالتعريض لا بالتصريح، شيئاً عن النص، فيكون الوصفُ محفزاً للاستدلال عند المتلقي، والعنوان قاعدة تخلخل الأفكار لدى المتلقي، حسب معرفته وثقافته، حيث يتباين أفق التوقع من إنسان لآخر» . ويظل القبض على دلالة عنوان (المراة/موج البحر) مؤجلا ومرواغاً وحماّل أوجه ولعل هذا ما حققه العنوان عبر الوظيفة الثالثة من وظائفه وهي الوظيفة الإيحائية، إذ أنه أعطى إيحاءآت مولدة للدلالات ومحفزة للتوقع عند المتلقين كلٌ حسب ثقافته ومعرفته،
تتّسم الصور الشعرية في هذه المجموعة الشعرية بتشكيلها عبر فنّيات تقوم غالباً على الوله والغزل الحسي ، لذا تأتي شديدة الحساسية وعميقة الحدس وقادرة على إثارة المشاعر في نفس المتلقّي .
لاتقف المشاعر في مواجهة فعل الحب وتداعياته،يقف الشاعر في مجموعته الشعرية "امراة من امواج البحر" متمسّكاً بالكتابة كحلٍّ للخلاص، وفعلٍ يقاوم الحسي ويربك حسابات الروح وتوق النفس إلى السكينة، وهذا ما يظهر جليّاً في توتر العبارة الشعرية، والدراما في النص، والصور الفنتازية ،
اقتباس
غيابك عني
ياكل من جرفي الكثير
وصوتك الدافئ
تغريد بلابل
يؤنسني عند صباحتي...ص60
لذا تبقى الكلمات مهما بسقت وتسامت أقصر قامة من اللقاء الحقيقي .
وإذن ان ثيمة -المرأة/الحب /الالم - مؤطّرة لتساوق المعنى ضمن حقول دلالية تلتحم ثارة وتنفصل أخرى لتغذي الذائقة بإفرازات قيمة الحب كنواة للاتزان الشخصي و الطبيعي و مجموع ما ترتكز عليه أوتار النبض ومكونات حياتية شتى.
لكن يسبق العشق الألم وكأنما هي تقنية لاستغراق عملية التلقّي بظلال خيار الحياة والتحرر من منطقة المنغصات وسائر عقد الارتهان بتعاليم عولمة متغوّلة تطعن في خصوصيات الذات وتُبهرج خطابات الانفصام الروحي.وهنا تشي نصوص المجموعة برؤية الشاعر للشعر نفسه بوصفه خلقاً جمالياً يمس جوهر الوجود الإنساني، فالقصيدة تصارع من أجل أن تبلغ حدود المعرفة وصولاً إلى حالة الإشراق، تلك التي تُظهر أن الشعر في حد ذاته فعل خلّاق..
اقتباس
في ظلال الحقل والنخيل
كان يشدو بلبل على النخيل
بصوته الطروب
في الصبح والمساء والغروب
يقول من هنا..مكامن الوطن...81
وبالرغم من أن هذه القصائد يغلب عليها التقشف، إلا أنها تمتلك جماليّة بصرية خاصة؛ حيث تتحوّل الملفوظات الكلامية إلى مشهدية شعرية تشبه اللوحات الزيتية. القصائد هنا ضربات فرشاة متلاحقة تتبع نقاط الضوء فوق المنحنى الشعري. فكأن القصائد تومض .
اقتباس
مااجمل الحب
والايام ماضية
خيث العواطف مالها عمر
القلب يهوى فماشاخت وشائجه
ولا وهن يصيب الروح...ص99
وختاما ...اقول ربما كان في وسع الشاعر أن يتساءل عن عالم من دون حب امراة غرائبية تخيلها من امواج البحر .هذا الحفر المتأني في منجم المتراكمات الدلالية لمفهوم الحب في اعلى درجاته الحلمية . وربّما كان السؤال ضروريا في تلقف مُدْركات الانشراح الفاضح للمعنى وهو يكشف عن عورته السُّرية والشاعر في خريف العمر ، في مجتمع يقارن الحب بالشباب فيصعب البوح حياءً أو عجزا، فيذهب الشاعر الى البلاغات والمجاز في كتابة قصيدة حداثية شكلا وتوليفاً دلالياً .