الإلحاد

2022-04-04

الإلحاد او اللادينية هو مصطلح انتشر في السنوات الاربعين الأخيرة في ثقافتنا العربية تعبيراً عن فكرة ليست بالجديدة ولا الطارئة على العقول العربية والإنسانية بوجه عام .

وفي تبسيط للمصطلح نقول أن الإلحاد ببساطة هو رفض الانسان لفكرة وجود خالق لهذا الكون الفسيح، واعتبار أن هذا الكون قد نشأ نتيجة المصادفة، و أن القوانين التي تسيّر عمله و نظامه هي قوانين كامنة فيه، ولكن منشؤها هو المصادفة أيضاً، و يشترك في هذا الرفض و بدرجات متفاوتة جميع الملحدين وإن كانت الأسباب والدوافع متغايرة .

والإلحاد بحد ذاته فكرة غير مستساغة لدى التفكير الإنساني السوي، فالإنسان بطبعه يميل غالبا إلى اتخاذ معبود له، يلجأ إليه في أوقات شدته ومحنته، حتى أننا نجد أن الكثير من البشر الذين لم تصلهم تأثيرات الديانات السماوية ورسالاتها ابتكروا هم لأنفسهم مسميات وآلهة تعبر عما يدور بأذهانهم تجاه ذلك الخالق العظيم الذي يشعرون به و يدركون وجوده و لكنهم لا يعرفون كيف يعبّرون عن ذلك، فابتكروا هم أساليبهم و قواعدهم، التي قد تبدو للبعض غريبة مستنكرة، لكنها في النهاية دليل على ترسخ الفكرة ذاتها في أذهان هؤلاء مثلهم كباقي البشر.

و للبحث عن السبب الذي أدى بأي إنسان ليصبح ملحداً أو لادينياً يجب أن نعرف الدوافع المسببة والعوامل المحيطة بالشخص الرافض للديانات .

بادئ ذي بدء نقول إن فكرة الإلحاد بحد ذاتها قد أخذت في رأيي حجما أكبر مما تستحق، وقد ساعد في هذا سهولة نشر أية فكرة على طائفة واسعة من الناس، والفضل كما نعرف للثورة الهائلة التي نشهدها جميعاً في وسائل الاتصال؛ فالفكرة بحد ذاتها قد تكون قديمة، و لكن سهولة التواصل بين البشر في وقتنا الحالي ساعدت لدرجة كبيرة في إعادة انتاج ونشر الأفكار القديمة تلك، ووضعها في قالب جديد في كل مرة، لتجذب بذلك منتمين جدد لها، و أعتقد ان من أقدم الصورالتي شهدتها الثقافة العربية لهذا الفكر هي طائفة الدهريون الذين ظهروا في عصر ما قبل الإسلام وكانوا تقريبا يعتنقون نفس الفكرة، و هي فكرة أن الإنسان يحيا ويموت بعوامل الزمن والوقت أو الدهر، و أنه لا خالق و لا مسير لأمور الكون، وأن النهاية هي ظلام مطبق وحياة عدمية لا يوجد فيها أي نوع من الحساب أو الثواب والعقاب أو ما شابه، ومن هنا جاءت التسمية، وقد

ذكرهم القرآن الكريم وذكر ما يقولون : " و قالوا ما هي إلّا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلّا الدهر" سورة الجاثية الآية رقم 24 .

إذن فالأمر قديم و ليس جديد، قديم قدم الرسالات السماوية ذاتها، فكانت الرسالة تأتي ويكون لها أنصار ويكون لها رافضون، و من أبرز صور الرفض هي صورة رفض وجود الإله ذاته، فهي أسهل الطرق لهدم البنيان من أساسه، وهي فكرة ذكية وحمقاء في الوقت ذاته، ومكمن ذكاؤها أن تنفي المبدأ الأساسي للفكرة فتنفي الفكرة بأكملها، ولكن الحماقة هنا هي أن فكرة وجود الخالق من أسهل الأفكار إثباتاً ويكفي لإثباتهاإاتباع قواعد السببية والصانع والمصنوع والفرص والاحتمالات وسيصل اللإنسان إلى مراده حينها .

نعود للأسباب التي نظنها قد تؤدي بالإنسان لرفض الدين، ولن نخوض في تاريخ الإلحاد ورفض الديانات  فهذا أمر يطول، بل سنكتفي بالصور القريبة العهد من زمننا الحالي حتى يكون الحديث قريبا من  الأذهان .

 أعتقد أن الصورة الحالية للإلحاد في عالمنا العربي وغيره حتى في دولة كالصين مستوحاة في الأساس من الفكر الغربي بصورة أساسية  والدليل على ذلك تشابه الأفكار بين الفريقين في كل من الشرق والغرب،   استلهام أفكار فلاسفة  ومفكري الفكر الإلحادي بالغرب للتعبير عن أفكار ملحدي الشرق و استخدامها في الهجوم على  الاديان .

وقد ظهر الفكر الرافض للدين في اوروبا إبّان عصور النهضة الاوروبية، والتي كانت نهضة علمية وتقنية في المقام الأول، ولكنها توسعت وانفتحت لتشمل الأفكار الفلسفية والدينية معاً، وكان الهجوم  على الدين فيما أظن هو رد فعل لما شهدته العصور الوسطى من رفض مبرر وغير مبرر للأفكار العلمية بحجة تعارضها مع النصوص المقدسة، واتباع أساليب غاية في العنف لكبح جماح المفكرين والفلاسفة، كما حدث مع جوردانو برونو وجاليليو وغيرهما، و إن كان هذا الأسلوب لم يصمد طويلاً أمام الإكتشافات العلمية المتوالية التي تتابعت  في تلك الفترة ومجدتها الموسوعة التي ظهرت في فرنسا قبل الثورة الفرنسية والافكار الفلسفية  التحررية التي انتشرت وقتها وكان ڤولتير وغيره من أبرز المغذين لأفكارها .

لكن الأمر فيما يبدو قد زاد عن حده، فأصبحت فكرة رفض الدين و اعتباره هو العائق أمام الفكر المستنير والمتطور صيحة مقبولة لدى العديدين، و قد سهلت الاضطهادات الكنسية إبان عصور النهضة الاوروبية التي ذكرناها من تلك المهمة وتم استبدال مصطلح الإله بمصطلح الطبيعة، لا سيما بعد ظهور وانتشارالنظريات التي تبحث في كيفية وصول المخلوقات إلى الصورة الحالية والتي كان داروين و لامارك من روادها، و أصبحت الطبيعة في نظر العديدين هي المانحة للصفات

  والمانعة لها و كأن الطبيعة تملك عقلاً أو ذكاء لتمنح هذا أو تمنع ذاك !

وانتقلت تلك العدوى للأسف إلى الشرق، و اصبحنا نسمع تلك الكلمات الغريبة عنا إلى حد بعيد، وأصبح لها بيننا من يناصرونها وينظرون لأفكارها سعيا لجذب الأنصار والمؤيدين .

وفي رأيي أن الشخص الملحد، أو رافض الديانات كما يسميهم البعض لهم مواصفات ودوافع مختلفة، قد تتواجد جميعها في شخص واحد أو يجتمع البعض دون البعضالآخر، وهذه الصفات والدوافع أذكر البعض منها :

  • الملحد على الدوام شخص رافض للكثير مما حوله، و هو يمارس هذا الرفض على كل ما يعرف، تقاليد، أخلاقيات، آراء، و صولاً إلى فكرة الخلق والخالق، و سبب هذا الرفض يكون في أغلب الأحوال تأثرا ببيئة محيطة معينة أو بظروف نشأة دفعته إلى ذلك التفكير وسهلته أمامه .

 

  •  في الغالب تجد أكثر الناس تعصبا لفكرة رفض الأديان هم من الشباب أو صغار السن الذين يسهل  التأثير على أفكارهم و توجيهها، والأدوات لذلك كثيرة، و في تلك المرحلة فإن التركيز على فكرة واحدة  و إظهارها بالمظهر المادي الملموس كفكرة رفض الغيبيات ونكران وجود ما لا يرى بالأعين و لا يلمس بالأيدي قد تكون طريقة  ذات نتائج فعّالة .

 

  • في كثير من الحالات وجد ان أكثر الأشخاص تعصباً لرفض الدين والعقيدة هم من الأشخاص  الذين قد تعرضوا لأحداث زلزلت حياتهم و كياناتهم، فكان من المتوقع أن يبحث بعض منهم عن شيء ما يصبون عليه  غضبهم والمرارة التي يشعرون بها ، وكانت فكرة الإلحاد وعبثية الحياة هي المتنفس الذي راق لهم، مما جعل أحد العلماء المشهورين في مصر وهو الدكتور (علي جمعة) يصف الشاب الملحد بأنه في اعماقه ليس منكراً لوجود الخالق ولكنه ( زعلان من ربنا) على حد قوله، و هو تعبير على الرغم من بساطته فهو معبر للغاية  ويعبر عن الصراعات النفسية التي تمزق الكثير من مؤيدي ومعتنقي الإلحاد .

 

  • الجمود الفكري لدى الكثيرمن رجال وعلماء الأديان الذي كان ومازال سببا في توجه العديدين  لرفض الأديان، و لا أعني هنا أن نهدم صرح الأديان الشامخ اتخاذاً في سبيل ذلك قدم بعض الآراء  أو  خطأها ذريعة لذلك، فهذه كلمات حق يراد بها باطل، و لكن ماأقصده هو ضرورة تفهم من  يدعو  الناس للدين للطبيعة البشرية وتقلباتها، و عدم وضعها في قالب قد يناسب البعض و لا  يناسب الكثيرين .

 

  •   سهولة الرفض والنكران لفكرة الدين و الإله، أعني بهذا  أنك عندما ترفض فكرة الدين فأنت بسهولة تزيح عن كاهلك روابط و تقييدات شتى، و من منا لا يرغب  في الراحة وأن يمضي سني حياته دون ضابط و لا رقيب  ؟! و لكن علينا أيضاً ألا نكون مخادعين لأنفسنا  فلا بأس من الراحة الآن، و لكن من يضمن الغد الذي قد يكون أقرب مما نتخيل، فماذا سيكون التصرف إن ثبت للإنسان حينها أن كل الراحة التي تمتع بها في حياته نتيجة رفضه لفكرة وجود الله  قد أصبحت هباء منثورا في لحظة واحدة .

* استخدام بعض القوى المعادية للأديان والإسلام على رأسها بالطبع لفكرة الإلحاد كوسيلة من الوسائل المتعددة التي يستخدمونها لهدم المجتمعات الإسلامية من أساسها، وقد وضعوا لذلك العديد من الخطط والدراسات التي قد آتت ثمارها إلى حد ما .

 

و الحل الأصوب كما أراه لاحتواء مشكلة كمشكلة الإلحاد تبدأ من احتواء أسبابها وفهم دوافعها، فليس كل شخص منا قابل للإقناع بما يقنع الشخص الآخر، و سيكون المجهود المبذول حينها والعدم سواء، بل يجب أن تقابل الفكرة بالفكرة و المنهج بالمنهج، ولا يجوز التقاعس عن تناول القضايا الخلافية أو التي يصعب فهمها عند الكثيرين والتي تستخدم كوسيلة لتشويش النعتقدات الراسخة والتأثير عليها إن كنا نرغب في القضاء على فكرة هدّامة كالإلحاد .

 

تامر محمد محمد موسى

طبيب أسنان و كاتب مصري يقيم في الاسكندرية، صدرت له رواية بابليون. وقد فازت بالمركز الثاني بجائزة منف للرواية بدورتها الثانية عام الفين و ثمانية عشر و المركز الأول بجائزة ببلومانيا للرواية العربية عام ألفين وواحد وعشرين، له عدة مقالات في العديد من المواقع .

facebook  .doctortamermosa

 Email : tamermmosa@gmail.com

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved