تعتبر الموسيقى أشد الفنون تأثيرا في النفس وأشدها تمردا على التحليل فهي في جوهرها لا تدين بشئ لعالم الملموسات، ولا لعالم اللغة . ولهذا يجري تشبيهها (كما نرى) بهذا الشئ الذي لا يمكن التعبير عنه في الشعر وفن التصوبر، باعتبار أن تناسق الألفاظ وتناسق الألوان والخطوط يمتان بقرابة لتناسق النغمات... وقد أكد "مايكل أنجلو" أن من الضروري أن يكون فن التصوير السليم "موسيقى وميلوديا" . ولنُذكّر أيضا "بالجزء الموسيقي"من اللوحة، وبأن الشعر من جانبه "يمس الموسيقى"كما يقول بودلير.. أما فن العمارة ، فما نعتقد أنه يخضع لنفس الجاذبية الموسيقية.. ولو أن "فاليري" يميز في كتابه "أو بالينوس" بين تلك الآثار المبنية التي تتكلم، وتلك التي تعنى .
معنى هذا أن الكشف عن سر الموسيقى يعني التوصل لىسر الفنون الأخرى... لكن يُقال لنا أن من السهل أن نكشف عن سر الموسيقى باعتبارها فناً يهز المشاعر بقوة، ولأنها هي القوى المُثلى للعاطفة، ولأن هدفها ترجمة المشاعر في قوة وتحركات القلب، وحالات النفس، هذا هو (على الأقل) رأي عام تجده لدى متعصبي الحب للموسيقى ومن الفلاسفة، وربما الألمان على وجه الخصوص.. إذ يقول لنا كلٌ من "كانط و"فيخته" وهيغل وشوبنهاور كل بوسيلته .. وبتباين بينهم في كتبهم الآيديولوجية أن وظيغة الموسيقى هي التعبير عن أعماق الحياة العاطفية .