لم تدم طويلا هذه الغلالة من الصفاء الوهمي حتى اكفهرَّتِ السماء من جديد على حين غرّة، بعد ان عصفت الأرض رياح صفراء، عاوية، فسَعَّرَت النيران المدفونة من تحت بقايا الركام، ومنها تصاعدت أعمدة من الدخان الأسود، فأنتجت غيوم داكنة، فأدْلَهم الكون .
ومن السُحب المثقلة بالظلمات نُسجتْ غلاف، صار عازلا بين الأرض وسقفها الأزرق حتى غدا لون البحر رمادياً واهناً متجهماً .
وترامى الفضاء في غاية الإتساع، بلا هيئة، تخنق الحياة . ومن ضراوة الحدث، سرعان ما رحلت طيور النوارس مهاجرةً باحثةً داعيةً عن نقاوة الهواء .
الأقلام البيضاء التي كانت تصوغ أفكارها عكس اليمين، بعد أن كانت تنقش من الكلمات، صارت مشلولة الحروف، مما ضاعفت من شدة الظلام على الجموع . انتزعت عنهم الرؤية، فأضَلوا الطريق، حتى تبددت أحلامهم في الوصول إلى أبواب الأمل، فصاروا ثُمالة الكأس تفرغ سكرتها في جوف الموت .