عذاب تولستوي أم عذاب صوفيا ؟

2009-11-11
أن أحدا لايستطيع أن يقول رأيه في زوجته إلا إذا احكموا إغلاق باب قبره " تولستوي "
في واحدة من اعقد ألعلاقات الزوجية وألأسرية التي طغت على حياة اشهر كُتاب روسيا بلا منازع ، هي تلك العلاقة المتوترة بين ليو تولستوي وزوجته صوفيا .
ولأننا حينما نتناول هذه الإشكالية كنوع نادر الحدوث بين عبقري الأدب ألروسي والعالمي وزوجته التي احبته بجنون لكنها سرعان ما جعلت من هذا الحب وسيلة قوية لمماته ، فإننا نرد علىذلك القول ألذي بات لسيقا مع أولئك الرجال ألأفذاذ الذين تركوا بصماتهم وآثارهم بيننا فقيل عنهم " ان وراء كل عظيم إمرأة " ، وبشيئ من الجدية نحاول ان نقترب من هذه المرأة ألتي وقفت وراء عظيم كتولستوي ونقرأ في يومياتها الصادرة حديثا والمترجمة عن ألروسية من قبل الكاتبة ألإنكليزية كاثي بورتر، فبعد ست سنوات من الزواج بدأت صوفيا وبالتحديد عام 1868 تكتب في مفكراتها عن نوع تلك العلاقة والمشاجرات التي كانت تحدث بإستمرار مع تولستوي ، تقول صوفيا في اول صفحات تلك أليوميات : ( يعتريني الضحك لقراءة مذكراتي .. فهناك الكثير من التناقضات كما لو كنت الأتعس بين النساء.. لكن الذي يجعلني اكثر سعادة هو عندما أكون في غرفتي وأصلي من أجل سنوات عديدة أخرى من السعادة عشتها بالرغم من هذا الشجار ألذي أكتبه هنا .. ) .
هذه المجموعة من المفكرات ألتي سطرت عليها صوفيا إجتراحاتها هي ليست فقط لأفكارها ، ولكن أيضا لأحداث عامة شهدتها مع تولستوي وغطت فيها جميع كتبه الحرب والسلام ، آناكارنينا والعديد من الكتب ألأخرى ، في ألوقت نفسه نراها في عملها الشاق - كما تعبر عن ذلك - فهي ألأم المعنية بكل شؤون منزلها بالرغم من وجود الخادمات ، وجميع أنواع المساعدة التي تقدمها لزوجها أثناء عمله .
لكنها تقول : ( لماذا أنا غير سعيدة ؟ أنا أعرف كل أسباب معاناتي ألروحية : أولا يحزنني أن ...أطفالي ليسوا سعداء كما كنت أرغب . ومن ثم أنا في ألواقع وحيدة للغاية .زوجي ليس صديقي ، إنه كان لي حبيب عاطفي في بعض ألأحيان ، خاصة وأنه في هذه ألسن ، ولكن طول حياتي شعرت بالوحدة معه ، إنه لايذهب للتنزه معي ، إنه يفضل ألتفكير بالعزلة أكثر من كتاباته ، إنه لم يتخذ أي مصلحة في أولادي لأنه يرى أن هذا عمل صعب وممل ) .
صوفيا كانت تتوق لواقع جديد تُنمي فيه فكرها وفنها للتواصل مع الناس ومساعدة زوجها ، وهذه اليوميات هي في الأصل فكرة تولستوي فعندما تزوجها طرح عليها إنشاء إثنين من اليوميات واحدة لملاحظاتها على ما تقرأ والثانية خاصة بها ، والذي كان يقلقها أكثر ومرت عليه كثيرا في يومياتها هو بحثها عن وسيلة تمنع فيها حملها أنها لاتستطيع أن ترعى الثلاثة عشر طفلا ألذين خلفّهم تولستوي ، ولهذا راحت تكتب عن هذه الإشكالية ألتي شغلتها قبل ظهور حبوب منع الحمل بما يقرب من قرن من الزمن ، وتناولت أيضا روايات زوجها خاصة الحرب والسلم وآنا كارنينا أللتان نالتا الإعجاب في كل أنحاء العالم ، قالت في الحرب والسلم : ( تولستوي كان يكتب بألم عن معاناة الآباء والأمهات في الحرب وفقدان الأبناء وما عانته قرية " أوستريلتر" طوال عام كامل و " برودينو " وحريق موسكو .. لقد تناولت وبإسهاب الحياة السياسية ألقاتمة والحبوالكراهية ) .
أما عن آنا كارنينا فكتبت تقول : ( هذه ألمرة ينحو تولستوي بتاريخ روسيا منحا آخرا يختلف جذريا عما قدمه في ألحرب والسلم ، فهو هنا يقدم تأريخا للحياة الإجتماعية ولا سيما حياة ألنخبة منهم خاصة ألنبلاء ، تقف في وسطهم آنا كارنينا في صراع بين القلب والعقل.. بين ألحب والواجب وما بين ألقديم والجديد .. في آنا كارنينا قدم زوجي عصارة جهده وفيها ألكثير من نفسه ، آرائه ، ومثله وتجاربه ألشخصية ألتي غالبا ما جسدها ألبطل ليفين وبعضها ألكسيس كارنين ، فيها يكشف علل وتناقضات ألمجتمع ألروسي وهو يعيش أدق مراحله ألتأريخية ، إنها نغمة إنسانية لامثيل لها ، وفيها يبشر بالمحبة ويتغاضى عمن أساء إليه ويرفض أن يكون أول من يرمي الآنية بحجر ، بيد أنه بقي في مسألة ألزواج مقيدا بحدود ألشريعة والقانون ) .
عندما كانت صوفيا تتنقل في قراءة أعمال زوجها لم يكن يخامرها ألشك بأنه كان يعود في وصف ألمرأة ألحقيقية إلى طرق مختلفة فكان يقول عنها بأنها مثل الحمائم ، نقي وبريئ ، ويقول في مواضع كثيرة أنه إلتقى ألمرأة ألحقيقية ، غير أنه بحر من ألتناقضات ، فعلى ألرغم من أنه بشر ألناس بعدم وجود فارق بينهم ونزل مع عماله في مزرعته ألمترامية ألأطراف ، يعمل معهم غير أنه كانت لديه أحكام مجحفة أحيانا منها إصراره على أن تتبنى زوجته رضاعة ألأطفال ألفقراء ، بينما هي كانت لها حُلمات متشققة وكان من ألمؤلم إليها أن يطلب زوجها هذا ألأمر كما روته في يومياتها ، لم تعرف كيف تتعامل معه بسبب صعوبة فهمه فهو يشعرك أنه ديني وأعماله كلها مكرسة للخير بينما هو في حقيقة ألأمر يريد شيئا واحدا فقط ألهيمنة ، وعلى ألرغم من أنه نجح في أمور كثيرة إلا أنه في ألواقع كان متعصبا ويصر على آرائه وكان يقول دائما أنه على حق ، وأمر خدمه أن يناموا على أسرة بينما هو إفترش ألأرض ونام على ذلك ألقرميد ألبارد .
صوفيا في يومياتها نقلت أسرارا دقيقة من حياتها تقول في إحدى صفحاتها :( تولستوي لم يكن جيدا وهو يخطو نحو ألثمانين من عمره ، فقد كان يهددني باستمرار بتركي وترك ألأسرة مما حدا بي يوما أن أقفزإلى إحدى ألبحيرات لأتخلص مما أنا به لكنه أنقذوني وقد صرخت بهم : أريد أن أغادر ألعذاب لأنني لم أعد أتحمل هذه ألحياة ألرهيبة ولا أستطيع أن أرى أي أمل ) .
في النهاية فر تولستوي من منزله بإتجاه منزل صغير بالقرب من إحدى خطوط السكك الحديدية ووجدوه قد فارق الحياة ، وعاشت صوفيا بعده سنوات طويلة أرملة وكانت تذهب لزيارة قبره حيث تطلب الصفح منه لإخفاقاتها معه .
هذه المفكرات تشهد على وجود حياة رائعة لإمرأة إستثنائية كانت متزوجة من أحد أكثر الرجال إستثنائية في ذلك ألوقت ومع كل المشاعر التي حملتها نحوه إلا انها كشفت الصعوبات عن مأزق المرأة في الماضي وكيف وجدت نفسها في هذه الدفاتر الصغيرة لأن الكلمات التي سطرتها كانت تشعرها بالراحة وتخفف من آلامها ، وهي بالتالي سجل حافل بكفاحها ومصدر إلهام لاجيال الحاضر والمستقبل .
هوامش
* دوريس ليسينغ / صحيفة التايمز/ اللندنية
أحمد فاضل

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved