لم نجلس بالبرج طويلا، قصدنا الشارع الطويل حيث يزجي الناس الوقت جيئة وذهابا. كان بعض الأصدقاء الأكبر منا سنا يغازلون بعض الفتيات، وكنا نحن الصغار نكتفي ببعض النكت والضحكات. لم نكن نحس بالوقت يمضي من حولنا، ولم نشعر إلا والليل غول كبير يلقي شباكه على المدينة ويطوقها من كل جانب.
في البيت جلست أمي وإخوتي في انتظاري .. لم ترو لنا - كالعادة - حكايات " عمتي الغولة " و" عيشة قنديشة" . أجلستني بجوارها، وأخذت تحدثني عن العمل الذي اختاره لي والدي . قالت كلاما كثيرا، وكان إخوتي من حولي فرحين
- ستخدم في البازار، وسيعطيك النصارى الفلوس..
- .. وسأشتري بها اللعب وألعب مع أصدقائي في الحي.
هكذا فكرت وبت ليلتي تلك فرحا، وأحسست بقلبي يكاد ينفلت من مكانه.
بعد أسبوع كنت أجلس في البازار محاطا بالزرابي والمجوهرات والقفاطين، أتطلع إلى بعض السياح الذين أتوا من دول أخرى . كانت سيدة غربية قد أعطتني ساعة يدوية والتقطت لي صورة فوتوغرافية. كانت تمر بي صباح كل يوم، تربت على رأسي، وتقبلني، وتقول لي كلاما لا أفهمه.
لم يكن جيبي يفرغ من الدريهمات. اشتريت بعض اللعب وأحضرتها معي إلى البازار، لكنني كنت أجلس وحيدا .. فلم يكن في البازار أطفال في مثل سني ألاعبهم !!