كلنا أحب أو حلم بالحب أو توهم أنه أحب، أوظل ينتظر الحبيب، أو خيمت على عقله وحواسه صورة الحبيب، وتبقى ترافقه حتى وهو في أحلى أيامه، يبعدها فتقترب وتبتسم ابتسامة التحدي.. تأتي تماماً كما تأتي الأفكار الجبرية ! ولكن مع ذلك تأتي الحبيبة أنيقة خجلى ترتسم على محياها ابتسامة ودود، بيضاء ناعمة، شعرها قبة سوداء غدافية، يخرج منها عقربان على الصدغين !
قال الفقيه محمد سعيد الحبوبي :
ما شاك عقربُ صدغيها مقبِّلَها     –   إلّا ومن ريقها يرقى بدرياقِ
مسوَّدةُ الجَعدِ لولا ضوءُ غرتها   –     لما هدتني إليها نارُ اشواقي
 وقال ابن معصوم في ضاديته :
لا تُنكروا لهوي على كِبَرٍ – فعليّ من زمن الصِّبا قرضُ
لماذا يحب الكبار؟ وهم في سن الحكمة ! وقد خفتت جذوة هورمونات الذكورة، يفسر علم النفس ذلك بأنه نوع من النكوص، أي العودة الى سن الشباب المتوهج !  وأنا أظن أن الحب هو حالة نفسية أقرب الى عودة الروح.. أو انتفاض النفس قبل الجسد، بل هو تشبث بالحياة..
بماذا يختلف حب الشيوخ عن حب الشباب.. حُب الشباب هو سوْرة أو فورة، يريد الشاب أن يكون رجل، ويريد أن يهجر الطفولة، وأعني بالشباب من الجنسين، الذكر يتأنق في ملابسه وعطوره وشاربيه.. البنت تتأنق في الملابس وتسرق من الأكبر منها بعض المساحيق.. وتحلم بفارس موعود يأتي على فرس أبيض.. حتى إذا تم اللقاء وبدأت السورة تخفت .. تبدأ المشاكل حيث كل من الطرفين يريد أن يؤكد ذاته !
حب الكبر يعلله صاحبه فلسفيا.. يكون مركباً صوفياً / رومانسياً، خلطة جميلة نصيب الجسد فيها قليل ونصيب الروح فيها كثير.. هو أكثر بقاء لكونه محلقاً في الفضاء فوق الغيوم.. من أدواته الشعر والموسيقى ومن حصاده التأمل ..
ويردد :
 أحبك حبين حب الهوى – وحباً لأنك أهل لذاكا !
ومع ابن الفارض :
نعم بالصَبا قلبي صبا لأحبةِ – ويا حبذا ذاك الشذى حين هبّتِ
تُذكِّرُني العَهْدَ القَديمَ لأنَّها - حديثَةُ عَهْدٍ من أُهَيْلِ مَوَدَّت
وما غَدرَتْ في الحُبِّ أَن هَدرَتْ دَمي - بشَرْعِ الهَوى لَكِن وَفَتْ إذ تَوَفَّتِ
مَتَى أَوعَدَتْ أَولَتْ وإِن وَعَدتْ لَوَتْ - وإن أقسمَتْ لا تُبْرئُ السُقمَ بَرَّتِ
تصبحون على حب !
19 شباط/ فبراير 2022