أصحاب الكفاءآت هم ثروة وطنية لأي بلد يعتبر الإنسان أثمن رأسمال ! فهم عقل البلد الذي يصلح حاله حين يخربه أو يغتاله المتسلطون وأعداء البلد ! وجميعنا يعرف كيف فرّطت النظم الدكتاتورية المتعاقبة بهم، وكيف أهانتهم ووضعتهم في السجون مما حدا بهم أن يضمنوا كرامتهم وتطوير بحوثهم في بلدان الغرب التي تحترم المواهب وتجعلهم أساس نهضتهم، ولأجل هذا هاجرت خيرة العقول العراقية من كفاءآت أحوج ما يكون لها بلدهم، ولكن هيهات !
فبعد الاحتلال عرف العراق موجة من الاغتيالات استهدفت المئات بل الألوف من علمائه ومفكريه وأساتذة جامعاته وسياسييه وفنانيه، وأطبائه الذين عانوا من الملاحقة والاختطاف ناهيك عن القتل، أما عسكريوه المرموقون فلم يسلموا من الاغتيالات وبشكل خاص طيّاروه.. والقائمة تطول.. مما يعطي تصوراً واضحاً لا يقبل اللبس وهو أن إسرائيل تحملت المسؤولية وأن بعض الدول أرادت للعراق أن يكون فارغاً من عقوله وبعضها أرادت للباقي منهم أن يهاجروا لتحتضنهم دول الغرب وحتى بعض دول الجوار ودول الخليج، حيث أثبت العراقيون كفاءة ونزاهة جعلتهم من أكثر الكفاءآت الوافدة مرحباً بها المهاجر من أساتذة جامعات وتقنيين ومهندسين وأطباء.. ولعمري أنها خسارة للعراق الذي خلا من المشاريع الاقتصادية والصحية والتعليمية حتى غدت مستشفياته ومجامعاته ومعاهده ومؤسساته التعليمية هي الأسوأ في العالم، أما معامله ومصانعة فقد باتت خالية على عروشها تصفر فيها الريح ! والحديث يطول عن سياسة إلحاق الضرر في العراق من قطع المياه عنه وحرق مزارعه وتعطيل مصانعه ومسامكه وثرواته الحيوانية، وحتى حقول الانتاج الحيواني الأهلي.. فسياسة الاستيراد العشوائي مدفوعة الثمن للجارة الشرقية وبمعدل خيالي من العملة الصعبة التي لا تتناسب مع النوعية المتدنية محل تساؤل، وفي حالة الانسداد السياسي الخارق للدستور لا نعرف عن الميزانية شيئاً وبتنا لا نعرف أين رسا المردود الريعي للنفط المرتفع وأين مصيره ؟!
***
وفي ضوء هذا الجو المعتم الكئيب، يجلب الفرحة أبناء العراق الأشبال بما حققوه من إنجاز مبهر للمرة الثانية في تفوقهم بشكل أدهش الجميع في مسابقة الحساب الذهني التي عقدت في القاهرة وشارك بها نحو (2000) ألفي طفل متسابق من (19) تسع عشرة دولة، ومنجز كل الأطفال المتسابقين العراقيين من الجنسين هو أنهم رجعوا بجوائز من المراتب قبل الأولى والمرتبة الأولى والثانية والثالثة، بينما حصلت متسابقة سعودية على الثانية وقد استقبلت في بلدها رسمياً من أمير تبوك ! فطوبى لأطفالنا فقد رفعوا اسم العراق ورفعوا رؤوسنا نحن العراقيين حين لوّث العراق ساسة الصدفة الذين انحدروا به إلى الحضيض .
تهانٍ حارّة لنور الحسين، باسم محمد ولزميلاته وزملائه، فأنتم أمل العراق وأنتم نسغه الصافي، لم تعيدوا الثقة لشعب العراق الولّاد وحسب، بل أعطيتم دروساً للساسة المعوقين المعطوبين في كفاءآتهم ونزاهتهم الذين لا همّ لهم سوى المناكبة لنيل المناصب السامية أو الاحتفاظ بها لأطول مدة لكي يستمروا بنهب البلد وتركه جريحاً ينزف رغم توفر عوامل النهوض من ثروات وكفاءآت وقوى بشرية !
فلا غرابة إذاً أن لم يحظَ أبناؤنا الموهوبون قرة عين العراق من استقبال حكومي يليق بهم ولم يعُمل لهم حفل ولم توزع عليهم جوائز تشجعهم وتدفع غيرهم من الأطفال أن يقتدوا بهم ليكون العراق بلد الأذكياء على النطاق الشعبي والمحكوم من قبل أغبياء لا يليقون بشعبه الذكي المبدع ولا يليقون بحضارة العراق العريقة..
طوبى لأطفالنا ذوي المواهب الواعدة، ولتتوهج عقولكم الذكية بالعلم والخلق الكريم الذي شع منكم ببراءة وبلغة بليغة رسمت البسمة على وجوهنا كم ارتسمت على وجوهكم الجميلة..
وتحية لأهليكم الذين رعوكم رعاية مثمرة ووفروا لكم التربة الصالحة التي سمحت بتفتح مواهبكم رغم قساوة الظروف..
فهل سيلتفت المسؤولون – الذين يدرس أبناؤهم في مدارس خاصة في الغرب - لهذه المواهب ويوفروا لها مدارس خاصة وبرامج مدرسية تتلاءم وتفسح المجال لتنمو عقولهم الواعدة ؟!
11 حزيران/يونيو 2022