ريثما يختمر العجين – 129 " تزوَّجْني بدون مَهْر !"

2022-06-24

من المؤكد أن الظاهرات الاجتماعية في أي بلد، بل في أي زمان ومكان هي انعكاس لتغيرات أعمقَ وأعني بها التغيرات الاقتصادية والسياسية، وبغض النظر عن طبيعة هذه التغيرات ومخرجاتها، سلبية كانت أم إيجابية، فهي نتاج تراكمات معقدة تُفضي بالضرورة إلى تغيرات نوعية ! ولعل السمة الأبرز لهذه التغيرات أنها تتسم بالبطء النسبي أي تبعاً لعمق وشمولية وحجم التغيرات، على خلاف التغيرات الطبيعية من زلازل وحرائق وسيول .. الخ التي تحدث بلحظات أو ثوان. على أن الجديد من هذه التغيرات ينشأ في رحم القديم، ويولد من تناقضاته الداخلية والخارجية..

ومنذ أن سقط الحكم الدكتاتوري عن طريق الإحتلال الأمريكي، فقد انفتح العراق على ظواهر جديدة هزت كيانه، وذلك بتسلط المحتل وظهرت الكثير من الظواهر والآفات والتراجعات في مجمل السيرورة الشاملة التي مضى عليها عقدان من الزمان، فظاهرة استفحال الفساد ومجيء الإسلام السياسي وانبعاث ظواهر التدين بزخم كبير وتحول الدين إلى طقوس ناهيك عن بروز ظاهرة الفساد الهائل في كل مفاصل الدولة والمجتمع.. وهو أمر لا يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد للتعريف به، فما زال شعبنا يعاني منه ويعيشه ويذوق منه الأمرّين..

إنما الجانب الآخر هو التعاطي مع منجزات ثورة الإتصالات التي أصبحت متيسرة لكل إنسان، والتي شكلت وما زالت هجمة انفتح بها المجتمع على حين غرّة على العالم ومنجزاته في شتى المجالات والتي كان الشعب محروماً منها، والتي تمثل سلاحاً ماضياً ذا حدّين وكأني بابن الرومي الشاعر العظيم يعيش بيننا ويصيح بأعلى صوته :

أمامَك فانظرْ أيَّ نهجيك تنهجُ – طريقانِ شتّى مستقيمٌ وأعوجُ

ففي مجتمع زحف فيه المتدينون على القوانين وأصبحوا يشكلون سلطة هي سلطة الإسلام السياسي، وفي مجتمع زحفت فيه العشيرة بسماتها البدوية لتحل الأعراف محل القوانين، وطيلة مدة تقترب من عشرين عاماً، فكان طبيعياً أن يكون الحصاد هو ظلم المرأة وسطوة العلاقات الذكورية وتعدد الزوجات وازياد ظاهرة البطالة وأمراضها من قبيل الادمان وارتفاع مؤشر الجرائم والبغاء المشرعن، وغير المشرعن، وازدياد الطلاق والعنوسة وازدياد كبير في الإنتحار الذي تشكل الشابات نسبته الأعلى، ولطالماً تكون الضحايا منه معنونة عملياً بجرائم "الشرف" !

وضمن هذه الأوضاع لابد أن تتكون ظواهر اجتماعية مضادة غدت لا يمكن غض الطرف عنها رغم عوامل العنف التي تصل إلى الهلاك أحياناً ! من قبيل ازدياد واسع في الإبتعاد عن الدين وبروز الإلحاد إلى العلن، وأقول بروز يعني أنه كان موجوداً لكنه ازداد وكثر بين الشباب من الجنسين .. وبروز مطالب بالدفاع عن الحرية الكاملة لتوجهات الشبيبية باقرار الحق باختيار الجندرية، ورفع الظلم والعنف عن الممارسات المثلية، فهي حق من حقوق الإنسان، ونكرانها أو قمعها لا يحل ولا يلغيها كحالة موجودة عملياً وبشكل سرّي ! فبوجود ثورة الإتصالات، وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت الظاهرة شبه معلنة وفي المجتمعات العربية التي تبدو محافظة فإن الخبراء الاجتماعيين يؤكدون استفحالها وخاصة في دول الخليج في المدارس الثانوية والجامعية وهي منتشرة لدى الإناث أكثر منها لدى الذكور!

برز قبل يومين وسم لشابات عراقيات يعكس الحالة المجتمعية لوضع المرأة وأعني به دعوة النساء العازبات او المطلقات أو العوانس إلى نشر هاشتاغ " تزوجني بدون مهر". وقد ذاع هذا الهاشتغ وغطته محطات إعلامية عالمية . ولا شك أن الأمر يعبر عن حجم المشكل الذي يعاني منه الشبيبة من الجنسين وهو "العزوبية"، فرغم انتشارها بشكل ملحوظ جداً، وعدم وجود حلول جادة من قبل الدولة ومؤسساتها الاجتماعية، فبادر الشبيبة بأنفسهم لتجاوز العقبات وأهمها ارتفاع المهور بشكل مبالغ فيه وتدني مستوى الحالة المعيشية وتكاليف الزواج من الحفلات الباذخة وتكاليف زفاف العروس، بدءأ من تأجير قاعات، إلى تجميل العروس، إلى زينة سيارة الزفة للعروس التي تفوق كلفتها مكياج العروس.. هذا كله يحصل للطبقة الجديدة من محدثي النعم الذين صعدوا الواجهة لينالوا الوجاهة ! أما كيف صعدوا فالأمر متروك للدعوات الباذخة لأبناء الوزراء السابقين.. وأكثرها طرّا ابن الوزير الملا التي غطت سلاسل الدولارات بدلة العرس بما لم تشهده حفلات زواج الخلفاء العباسيين ولا أبنائهم أو بناتهم !!

أما الفقراء وذوو الدخل المحدود فإن زواج أبنائهم وبناتهم إما مؤجل أو يتم بتقشف يكفي فقط لإشهار الزواج، وللمتدينين الباذخين المسرفين نذكّرهم بزواج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت الرسول، فقد باع علي درعه ليولم على شاة ! والرسول نفسه اوصى بصاع من التمر كمهر!!

اين حكومة الإسلام السياسي في العراق من قول الرسول : يسّروا (أو بشّروا) ولا تنفّروا!!

24 حزيران 2022 

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved