لقد عانت المرأة العربية قروناً وهي محرومة من جانب مهم من جوانب حياتها وهو الجانب الحسي والعاطفي، وكانت النتيجة دائماً هي أن تفرغ المرأة حاجاتها الحسية في حبها لأبنائها المُغالى به أو بتمسكها بجانب الكماليات الشكلية والتي قد تعوض بعضاً من هذا الحرمان، وهنا يأتي التطرف، فحيث الحرمان يأتي التطرف، وقد تركز المرأة العربية وقتها ومشاعرها في بيتها أو في جوانب أخرى قد تخفف من التوتر العاطفي مثل التطريز والخياطة، وهي تكتسب هذا من الجيل السابق من الأمهات اللواتي ألغين مشاعرهن من قبلها، لذا فهي تسير على نفس المنوال، فلا تقترب من الخطوط الحمراء، ونجد أن الأغلبية من النساء لا تسمح لنفسها أن تختار من تحب هي بل من يختاره أهلها وذلك لأسباب قيمية ومادية، لذا لا تسمح المرأة العربية للجانب العاطفي على أرض الواقع أن يتغلب عليها، ولا يسلم من هذا الخوف الشاب العربي أيضاً، فالتي يختارها قد يوضع عليها علامات متسائلة أو مستهجنة لأنها سمحت لأحد ما أن يقدم لها مشاعره، ولذا يعاني الشاب العربي من هذا الطوق على المشاعر ولكن بشكل أقل لكون الذكر العربي معفي من المساءلة لكنها تنسحب على الفتاة التي يقترب منها .
إن الذي تفعله المرأة العربية لتفريغ الشحنات الطبيعية العاطفية هو أن تغلق جانب الواقع وتفتح جانب الخيال بمشاهدة الأفلام العاطفية وقراءة القصص الرومانسية وخاصة التي توضح مواقف عاطفية أو جنسية، وهنا تكون المرأة العربية فاعل سلبي متفرج وتجري عملية إسقاط ما بين بطلة الفلم أو القصة والقارئة أو المتفرجة منعاً لغضب القيم والأعراف، لذا تكثر في الأسواق القصص الرومانسية والإباحية والتي تفلت من الرقابة بشكل أو بآخر، والمشكلة في هذه القصص والأفلام أنها لا تعالج مشاكل المرأة وتقوم بتوظيف العاطفة للوصول إلى هذا الهدف، بل تجعل الهدف البحت هو عرض العواطف والغرائز وهي ليست وسيلة للتعبير عن ظلم إجتماعي أو قيمة إجتماعية بالية ومعالجتها لكنها عادة تكون الأكثر بيعاً ويكون غلافها على الأكثر مثيراً للعواطف والغرائز . أما البحوث العلمية الإجتماعية والتي تشرح واقع المرأة وتفسر حرمانها بوقائع وأرقام وظواهر هي أغرب من الخيال، لا تجد الكثير من الراغبات من النساء لقراءتها إلا الأقلية من المثقفات والمختصات بمجال الظواهر الإجتماعية ومشاكل المرأة . وتعاني المرأة العربية من الملل السريع لقراءة مثل هذه المؤلفات لأنها تجعلها تعيش واقعها مرتين وهي تحاول دائماً الهروب من هذا الواقع، وعلى هذا الأساس تبقى المرأة العربية مطمئنة في حيز الخيال حيث يوفر لها هذا الخيال العاطفة وهو ما حُرمت منه منذ بداية حياتها . ولقد تعودت المرأة العربية أن ترتدي الحداد على عواطفها لكي تبقى بوضع إجتماعي محترم، ولكي لا يوضع عليها علامة ( X ) ولن تجد في هذه الحالة من يشاركها حياتها وهي قد تختار مرغمة بين أن تلغي مشاعرها أو تمشي مطأطأة الرأس لبقية حياتها .
إن القصص الإنسانية العالمية والعربية قد طرحت موضوع العواطف لكنها قد وظفتها للوصول إلى طرح إنساني نبيل وكشف ثقافي وإجتماعي، والأمثلة على ذلك كثيرة للقاريء العربي، وهذه الأمثلة هي من يبقى في الغربال ومن يخلده التأريخ على مدى العصور، فرواية البؤساء لفيكتور هيجو، الأم لغوركي، والدون الهاديء لتشيخوف، والحرب والسلام لتولستوي، والشيخ والبحر لهيمنغوي ومن ثم ما طرحه الأدب العربي كدعاء الكروان لطه حسين، رجال في الشمس لغسان كنفاني، والوشم لعبد الرحمن مجيد الربيعي، والشراع والعاصفة لحنا مينه، وأنا أحيا لليلى بعلبكي، والحرام ليوسف إدريس، وموسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، وذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي، والنخلة والجيران لغائب طعمة فرمان، وحكاية زهرة لحنان الشيخ، ومهدي عيسى الصقر في غضب المدينة، وصبيحة شبر في رواية العرس .
كل هؤلاء خلدهم التأريخ والصحافة العربية وقد أعطو الواجهة الصحيحة والحلول الصحيحة لمشاكل المجتمع العربي، وقد وظفو الخيال العاطفي لشرح قصور المجتمع العربي وتناقضاته، ولكن وللأسف يبقى الأدب المستهلك هو الأكثر رواجاً ويبقى أيضاً الأدب الإنساني الراقي هو الأكثر عمقاً في ذاكرة التأريخ . ولا يعد هذا هو خطأ القاريء العربي بل هو من أخطاء المجتع بأكمله لأنه سد منافذ الواقع وممارسة الحقوق المشروعة وفتح على مصراعية باب الخيال وخصوصاً الخيال المريض، ويأخذ الخيال العاطفي مساحة أكبر من حقيقته، وقد يتمتع محترفو فن الكلمة لمزايا حرفية جيدة ومزايا قيمية هابطة، وهم من يجعلوا صورة المجتمع العربي أمام القاريء الغربي تعكس ألواناً مشوهة وتبعث ريحاً عفنة، لكن الأهم من هذا هو أن المرأة العربية قد أصبحت مدمنة على هذا النوع من الأدب وتلاحقه في الصحافة الورقية وعلى صفحات النت وهو من تخبئه تحت وسادتها لأنه يجعلها تخرج من أرض الواقع المريض إلى الخيال المريض .