أطالع يوميا المواقع الإخبارية على الانترنيت، وفي أحد الأيام قادني فضولي الى البحث عن اخبار سيطرة داعش على مدينة الموصل عام 2014، فقرأت عن اختطاف الإيزيديات وتدريب أطفالهن على السلاح في معسكرات داعش، وأكثر ما راعني خبر اغتصاب طفلة عمرها ثمان سنوات في أحد مخيمات زاخو من قبل داعشي يبلغ من العمر اربعين عاما، وقد اغتصب أم الطفلة قبلها . وهذا الفعل الشائن بالتأكيد من المحرمات في الدين الإسلامي .
تساءلت مع نفسي عن أي إسلام يتحدث هؤلاء وغيرهم وما أشبه اليوم بالبارحة ؟
لقد قنن ذلك الإرهابي وشرعه عباقرة القانون في البرلمان العراقي، حيث أجازوا أن تستباح عُذرية الطفلة العراقية قبل أن تكون مهيأة عقلياً وجسدياً للزواج .
الجدير بالذكر ان العراق صادق عام 1989 على اتفاقية حقوق الطفل الدولية والتي تُعنى بحقوق الطفل وحمايته، وفي الوقت ذاته سلم عهدته إلى بعض رجال الدين، والذين هم من أجازوا ما هو أبشع من زواج القاصرات ألا وهو ( زواج المتعة وزواج المسيار )، مما لا يوافق حتى أردأ العقول والضمائر، وهذا يندرج تحت مصطلح (الزنا) لكنه زنا مُشرع وهذه ظاهرة لم تمارس في أغلب الدول الاسلامية .
إن ظاهرة زواج الأطفال هي ظاهرة تطفو على السطح في فترات الحروب والفساد الاجتماعي والاقتصادي، والمراد منها تقليص التكاليف المادية على رب العائلة وتخليصها من فئة الاناث. فظهرت في العراق ابان فترات الأزمات السياسية والاقتصادية، كذلك في سوريا واليمن، وتوجد المئات من الفتيات القاصرات زُوِّجن قسراً لرجال يبلغون أضعاف أعمارهن، وكل ذلك لأجل رفع العبء الاقتصادي عن كاهل الاب وتحويله على كاهل الزوج .
لقد انتشر زواج القاصرات في صفوف اللاجئين العراقيين والسوريين في جميع دول أُوربا وأمريكا، واكتشف البوليس الغربي ذلك وقام بملاحقة اولياء الامور الذين حاولوا التخلص من فتياتهم بتزويجهن ليس من خلال القانون ولكن من خلال رجال الدين المتواجدين هناك، فأيهم أكثر نُبلا وشرفا؟ اولياء امور هؤلاء الفتيات ام سلطة القانون الغربي
انتشرت ظاهرة زواج الفتيات بعد نشوب الحرب في اليمن، حيث تهدمت البنية التحتية تماما وانتشرت المجاعة والأوبئة وأغلقت عشرات المدارس او تحولت الى ملاجئ ومخازن سلاح وتهدم الكثير منها، فتسرب طلاب وطالبات المدارس، وانسحب ذلك على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فأصبحت الفتيات عبئا ثقيلا على كاهل الاباء، وما كان الا ان تنتقل ولاية الفتاة الى الزوج، ولهذا زُوِّجت الاف الفتيات الصغيرات اليمنيات الى رجال مُسنين، وكان كمن ينقل الثقل من اليد اليمنى الى اليسرى مع بقاء العبء الاقتصادي ثقيلا على المجتمع برمته، اي ان الحل لا يتبع المنطق اطلاقا.
اقول: ان مسخ قانون الاحوال الشخصية العراقي 188 لعام 1959 ما هو الا غزل سياسي بين القوى الدينية المتصارعة، ولم يُخرجوا من الدين الا أوضاع المرأة، ومقدار تدين المرء يقاس، بوضع المرأة تحت المجهر بين اليمين واليسار وبين الاعلى والاسفل، تُلاحق في عملها وكلامها ولباسها وعلاقاتها، وعلى هذا الأساس، لا حق للمرأة في الاختيار او الرفض، وتتزوج بمن يرغبون ومتى ما رغبوا، وهي سبية في بيتها وفي انتقالها من بيت الاب الى بيت الزوج.
لو نظرنا الى المكتسبات التي حصل عليها الشعب العراقي بعد 2003، لوجدنا أن لا شيء قد تحقق فلم يجر الاهتمام بتطوير البنية التحتية، وزادت نسبة الجريمة المنظمة وغير المنظمة وارتفع عدد المطلقات والمحجبات قسرا، كما ارتفع عدد المتزوجات قسرا، وبرزت ظاهرة الاتجار بالبشر وتجارة الأعضاء وتجارة الجسد.
لقد أصبحت المرأة العراقية مجرد بضاعة تباع في السوق يكسب الجميع منها الا هي، بل حتى النساء العراقيات ذوات المستوى العلمي والثقافي الجيد، خائفات من الخوض في مجالات العمل المختلفة، وذلك لان خروجهن من المنزل أسوة بالرجال يشكل خطورة كبيرة عليهن، فالعراق وبحسب تصنيف المنظمات الإنسانية العالمية ومنها منظمة حقوق الانسان، من أكثر البلدان خطورة في العالم اسوة بالصومال واليمن وافغانستان.
لو سأل سائل ما علاقة كل هذا بزواج القاصرات؟ الجواب واضح لكل صاحب عقل وفطنة، فكل الظواهر السلبية المذكورة تشكل ثقلا على العقل العراقي وعلى نفسية الفرد العراقي، لذا يحاول عباقرة القانون ايجاد منافذ وثقوب كي يتنفس منها القلب العراقي المنتفخ كالبالون، وربما لا يعلمون ان هذه المنافذ ستؤدي الى كوارث اعمق، منها ارتفاع نسب الطلاق بسبب الزواج المبكر الذي يعد احد اسبابها. اذ تتزوج الفتاة الصغيرة وهي غير مُستطيعة او مُدركة لمهامها الزوجية. اسباب وفيات العديد من الحوامل هو صغر سنهن وعدم قدرتهن على الحمل المبكر واحتمالات الولادة المبكرة ووفيات الاطفال المولودين مبكرا، والمعلوم طبياً ان اجساد الفتيات الصغيرات ليس لها قابلية على الحمل والولادة .
ان اللعب على طاولة القمار الشرعي في البرلمان العراقي لن يكتب النهاية السعيدة للزواج المبكر، كما لن يكتب النهاية السعيدة للغزل السياسي بين الاحزاب الدينية المتصارعة لأنه يقدم وببساطة الجسد العراقي المتعب ثمنا لذلك .