حول " فراخ الطاووس " وشاعرها عبد الإله الياسري

2011-02-26

كان الشاعر عبد الإله الياسري قد ارسل اليّ قصيدته "فراخ الطاووس" ، وقبلها أسطرا شــاعرية قليلة بعد طول انقطاع ، فكان جوابي:

"عزيزي أبا نوفل

ما هذه الإطلالة الجميلة يا "عبد الإله " ؟وما هذه الخريدة الرائعة؟ أهكذا تمر علي سريعا خفيفا ، لا تتوقف سوى هنيهة لتُلقي علي وردة حمراء ثم تمضي على رسلك ؟ " فراخ الطاووس " رائعة بحق تشي بأنك لازلت تكتنز الجميل الجديد وأن منجمك ثرّ بالمعادن النفيسة والأحجار الكريمة . ظللت أسأل عليك وأتقصى أخبارك فلا يأتي منها إلا النزر القليل، فمنذ لقائنا في أوتاوا قبل عشـر سـنوات ومنذ قصيدة "زرياب"تحديدا لم أقـرأ لك جديــدا فهل لازلت زاهـدا في النشــر مبتعدا عن الأضــواء التي يتعشقها الآخرون؟! لا أدري من الهاجـر منّا ومن المهجـور،والواصل (وهوأنت) خير من الموصول ، لنحسبها على نزار الذي حكم بين المتعاتبين:"فانسَ العتاب فقد نسيتُ عتابي" ،ولا أدري من القائل الملح بالعتاب:"ويبقى الود ما بقي العتابُ..." لم أستفق بعد من نشوة رسالتك ، أما قصيدتك فقد أعادتني الى أربعة عقود خلت -أبهذه السرعة سرَقَنا الزمن؟ والله كأنها حلم لذيذ مر سريعا- يوم كان الفتى الياسري يلقي لهبا مقفى في مقر الرابطة وفي نادي موظفي النجف على مسامعنا وفي الحضور شعراء لهم وزنهم كالمرحوم مصطفى جمال الدين والمرحوم مرتضى فرج الله فتلتهب الأكف تصفيقا ...

قصيدتك ملء السمع والبصر وأصداؤها المؤثرة تفعل فعلها في خاطري ، وجدتك فيها تعزف "صولو" متتاليات موسيقية حزينة عزفها عازف ماهر تخلى عن النوطة باقتدار ،قرأتها مرات لا أدري عددها وفي كل مرة أدرك مفارقاتها وهي مفارقات واقعية بين الأمل وخيبته ،وإن شئت الصدق فهي قصيدة تحريضية وذلك لسهولتها الممتنعة ولواقعيتها وتعاقب صورها .إن هذه الخصائص تجعلها قريبة من قلب القارئ أياً كان مستواه الثقافي سواء أكان عراقيا أو عربيا فليس الواقع العراقي بمختلف عن الواقع العربي وإن فاقه بالسؤ ، فكلنا في الهم شرق ! ناهيك عن عنوانها الذي اتسم برمزية كثيفة تغري القاريء أن يلج عالم القصيدة بسلاسة وأمان فقد قُبر الطاووس الكبير ولم يتعظ أخلافه "الفراخ" !!

باختصار لقد وجدتها عقدا منتظم اللآليء منسجم الألوان لا هبوط فيها ولا نبو رغم طول نفسك وهذه من مميزاتك التي تشربتها من المدرسة النجفية في الشعر! ومطلع القصيدة ممتاز وأنت تعلم أن المطلع للقصيدة هو تاج للحسناء وان شئت الدقة فهو بابها الذي ينفتح على مكنوناتها وقد اتسم بالإنسيابية والبساطة المعبرة والصدق أيضا وهو يقترب من القول الشائع :ناس تاكل دجاج وناس تتلقى العجاج!

بيننا والقادة الغرّ ســياجُ لهم النفطُ وللشعب العجاجُ

ولا أكتمك سرا أنني لم أقرأ مطولات جيمية سوى لعاشق الجيم العبقري ابن الرومي ،تحضرني أحداهما:

أمامك فانظر أي نهجيك تنهج طريقان شتى مستقيم وأعوجُ

والثانية:

ياهند لم أعشق ومثلي لا يرى عشق النساء ديانة وتحرجا

وكلتاهما في مدح آل البيت. وكما ترى هو روي صعب وقوي على الأذن إلا أنك طوّعته بالضم وجعلته لينا وتلك واحدة من أسرار المهنة التي يحذقها الشـعراء الكبـــار، فأنت محق في تعليلك جدا . بل أن الوقــوف على الروي يصدم الأذن فما بالـك إذا كان على حرف الجيم ذي الوقع الصلب. لقد قرأت ذات مرة لطه حسـين نقدا قاسيا لدالية إيليا أبو ماضي، عائبا عليه تسكين الدال ( وأنت تعلم أن عميد الأدب يمتلك حسا سمعيا مرهفا) في قصيدة : نسي الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيها وعربدْ

دونك أبيات من قصيدة تعزز مذهبك وهي رملية متحركة الروي من روائع الشاعر عبد الرحيم البرعي اليمني ت 803ه:

عاهدوا الربـع ولوعا وغراما فوفــوا للربــــع بالـــدمـــع ذمامــا

كلمــا مــروا علــى أطـلالـــه سفحوا الدمع بذي السفح انسجاما

كلما ناحت حمامات اللوى في أراك الشِعب ناوحت الحماما

ياندامى وفـــؤادي عندكـم ما فعلتـــم بفــــؤادي يانـــدامى

أشكرك يا أبا نوفل على آرائك السديدة حول ما كتبت. ولولا معرفتي بصراحتك لحسبتك مجاملا ، فلم يجامل بعضنا بعضا شبابا فما بالك ونحن على أبواب الكهولة؟!! تسألني عن أموري ،أجيبك ببيت الإمام الغزالي :

وكان ما كان مما لست أذكره فظنّ خيرا ولا تسأل عن الخبرِ

تحياتي للجميع ".

 

 

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved