حين يستيقظ كافكا في فيليب روث !

2011-10-23

" أيها الموت .. أنت تجيئ عندما تكون الأبعد عن بالي "
(فيليب روث .. رواية كل رجل )

منذ رحيل سيد الكآبة الروائية " فرانز كافكا " عام 1924 وهو يتلبس العديد من الكًتاب وفيليب روث أحدهم .
فقد تتبع هذا الكاتب حياة وموت كافكا حتى راح يسأل عنه في مسقط رأسه براغ واجتمع بالعديد من الكُتاب والروائيين التشيك لمعرفة ودراسة المراحل الأولى لنشأته وقبل رحيله النهائي الى المانيا ، حظرت السلطات التشيكية دخوله الى البلاد ، كان ذلك عام 1975 في اثناء الحكم الشيوعي ، واليوم يستيقظ كافكا مرة اخرى في روح روث وروايته الأخيرة " الإذلال " ، والمفاجأة التي حملها الينا روث هذه المرة هي الإستثنائية التي تفجرت في وقت متأخر بعد 60 عاما من الكتابة وهو الآن في السادسة والسبعين حيث نشر 10 روايات بما في ذلك بعض المسرحيات ، ويمكن القول ان مرتبته لاتقل عن اولئك الذين أرسوا دعائم رائعة للأدب الامريكي بعد الحرب العالمية الثانية ، وكتابه الأخير " الإذلال " هو الثالث بين رواياته منذ عدة سنوات وقد قال في مقابلة له مؤخرا انه استكمل بالفعل ما يطلق عليه جزافا التقاعد ومن الطبيعي ان يتباطأ ذلك المفهوم مع التقدم في السن لكنه على المسار المعاكس لايعني الركون .
" وليام جيه " الكاتب والناقد يكتب في " الغارديان ": ان انجاز الكاتب في الماضي ينبغي ان لايشكل اخفاقات للحاضر ، وهذا ما يتمتع به روث في روايته الجديدة ولأنه صاحب معايير خاصة يتميز بها عن باقي الكُتاب فقد كان لديه دائما ميل الى ان تنحرف تلك المعايير نحو امثلة صارخة ومعدلّة بعض الشيئ كما حدث عام 1972 حينما نشر " حكاية الثدي " والتي اعاد صياغتها بعد ان تعرف الى " كافكا " اكثر بحيث يستيقظ البطل ليجد نفسه وقد اصبح عملاقا من ذوات الثدييات بعد ان كان حشرة صغيرة، وروايته الإذلال تنتمي بطبيعتها الى اجواء كافكا النفسية وهي تطرح اسئلة مثيرة للإهتمام حول الشيخوخة وما تفعله ، لكن هذه الامور لاتكاد تكفي للتعويض الا إذا تغلغلت عميقا في كافكا كما يعبر عنها جيه ، فالبطل هو في منتصف الستينيات من العمر وهي تيمة غالبة على اعمال روث كما في روايته " الحيوان محتضر " ، فالتقدم في العمر والشيخوخة والصحوة الجنسية كلها تجدها في معظم اعماله الروائية ، الا انه صائغ ماهر يعيد تلك الاجواء بأشكال جديدة كما أعادها في روايته الأخيرة .
ولد " فيليب ميلتون روث " عام 1933 في نيو آرك بولاية نيوجرسي وتلقى تعليمه في مدارسها العامة وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة باكنيل وعلى الماجستير من جامعة شيكاغو ولم يكمل درجة الدكتوراه وعمل بتدريس اللغة الإنكليزية في وقت لاحق بتدريس الكتابة الإبداعية في جامعة آيوا وبرنستون وتقاعد من مهنة التدريس في عام 1992 ليتفرغ نهائيا للكتابة ، وقد تزوج عام 1990 من الممثلة كلير بلوم التي تخصصت في اداء الادوار الشكسبيرية ، ويعد روث الروائي الامريكي الذي حصد أكبر قدر من الجوائز والوان التكريم والتقدير في تاريخ الأدب الامريكي الحديث إبتداءا من جائزة اغا خان عام 1958 ومرورا بزمالة جوجنهايم في 1960 وجائزة كارل كابيك في 1994 وجائزة بوليزر لأعمال القص في 1997 وليس انتهاء بجائزة كافكا في 2001 وجائزة مديتشي الفرنسية في 2002 وميدالية مؤسسة الكتاب الوطنية في العام نفسه وجائزة سايروايز في 2005 ، وكان مرشحا لنوبل لكنه لم يفز بها لحد الآن .
روث تأثر بالتيار الواقعي للقرن التاسع عشر خاصة مؤلفات هنري جيمس والكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير اضافة الى مؤلفات كلا من سول بيلو وبرنارمالامود وفرانز كافكا الذي استقرت آراؤه على حياة ومبادئ الأخير ، وقد نشر روث اولى مؤلفاته عام 1959 بعنوان " وداعا كولومبوس " وبعد عشرة سنوات حقق نجاحا كبيرا عند نشر رواية " بورتوني وعقدته " والتي تناول فيها قصة محامي يهودي شاب يعاني من سيطرة والدته عليه وهي صورة لاتبتعد عن معاناة كافكا مع اسرته .
تنوعت كتابات " فيليب روث " ما بين السخرية السياسية ، والمحاكاة الساخرة ، والخرافة قبل ان يعود الى كتابة السيرة الذاتية وشيئ من الرومانسية ، اما الرواية التي جعلته من افضل الروائيين المعاصرين بتناوله الجوانب الشخصية وتحليلها فهي رواية " مؤامرة ضد امريكا " عام 2004 ، وقد حاول في رواياته الاخيرة التركيز على مسلمات تتعلق بالقضايا الذكورية ، والتاريخ ، والتراث ، والحياة والموت ، ووضع اليهود ، والادب في الحضارة الغربية .
ولو وضعنا ميزانا لاعماله الاخيرة منذ صدور روايته " حياة معاكسة " عام 1986 لوجدنا انها تميل لصالح خط سوداوي يختلف في أفقه عما اصدره من روايات كرواية " وداعا كولومبوس " عام 1969 والتي بيعت منها 400000 نسخة ووضعته في قفص معاداة السامية ووصفه بالخائن لأبناء جلدته .
يقول " وليام جيه " عن روث في حديثه الذي تناول تأثير كافكا على مجمل اعماله الاخيرة ان رحلة خياله الجنسي قد تشكل له اخفاقات محرجة خاصة في عمله الاخير " الإذلال " غير انه يحمل من المفاجآت ما لاتستطيع ان تحكم عليه ذلك الحكم القاسي ، الا ان الناقد البريطاني " اليسون فلوود " له رأي آخر يقول ان روايته الجديدة تلقت بالفعل استعراضا لاذعا من قبل المراقبين فوليام سكينلسكي وصفه بأنه قطعة من ملابس رخيصة فاضحة ، وهناك نوع من التشاؤم حول مستقبل الرواية الامريكية مع ان لروث كتابات جميلة ولديه الكثير مما يدخره للمستقبل وتلك هي إحدى نقاط قوته .
هوامش
وليام جيه واليسون فلوود / صحيفة الغارديان اللندنية
أحمد فاضل

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved