ألخميس كان يوما مميزا لديها فقد إرتدت أحلى ملابسها وتزينت على غير عادتها ، لكنها لم تستطع أن تمحو دمعة ظلت عالقة على خدها وهي تتذكر أنها وبعد كل هذا ألنفي والتعسف سوف تقف على أبواب نوبل لتفوز بأكبر جائزة أدبية عرفها ألعالم .
هيرتا مولر ألكاتبة ألألمانية من أصول رومانية حازت أخيرا على هذه ألجائزة عن مجمل نتاجها الأدبي ونضالها الإنساني ، وهي تحاول إزاحة تلك ألدمعة ألعنودة قالت
: ( إنني مندهشة للغاية ولا زلت لاأصدق ذلك ..لاأستطيع أن أقول أي شيئ أكثر ) ، بينما وصف ألسكرتير ألدائم للأكاديمية ألسويدية أن هذا ألفوز يأتي ترسيخا للمشهد الإنساني ألذي عاشته ألكاتبة مولر مع آلاف ألمحرومين ألذين تسبب ألنظام ألدكتاتوري في رومانيا على إذلالهم ونفيهم خارج بلادهم ، ولأنها كتبت أعمالها بلغة متميزة أيضا ولديها حقا قصة حقيقية تُروى عن أناس ينشأوون وسط ألدكتاتوريات لكنهم يشّبون غرباء عن ألأهل والوطن .
ألكاتبة مولر ألبالغة 56 عاما هاجرت إلى ألمانيا عام 1987 بعد سنوات من ألقهر والإضطهاد في بلدها رومانيا وهي أول كاتبة من أصول غير ألمانية تفوز بجائزة نوبل منذ ( غونتر غراس ) عام 1999.معاناة وإضطهاد وتغرب مولر هي ألأبجدية ألتي تبلورت على شكل كتابات كانت بدايتها مجموعة من ألقصص ألقصيرة عام 1982 ، وقتها كانت تعمل كمترجمة في أحد ألمصانع فخضعت تلك ألمجموعة لرقابة ألسلطات ألرومانية بغية ألضغط عليها للعمل مع ألجهات ألأمنية والشرطة ألسرية ، وحينما رفضت تم طردها من المصنع فاتجهت للعمل كمدرسة لرياض ألأطفال ، إلا أنها أحست بمضايقات نظام شاوشيسكوألقمعي فأعدت ألعدة للهرب عبر أراضي ألمانيا ، ولما إستقرت هناك نشرت قصصا وقصائد تحكي ذلك ألظلم والإضطهاد ألذي يتعرض له شعبها من قبل نظام دكتاتوري شمولي ، منها رواية ( في أرض ألخوخ ألأخضر ) ألتي تروي فيها حكاية قرية صغيرة في رومانيا تعرضت للقمع وصفها ألكاتب ألأمريكي لاري وولف في صحيفة نيويورك تايمز : ( أنها تسعى لخلق نوع من ألشعر للخروج من روحية ومادية ألقبح ألذي يمارسه ألحكم ألدكتاتوري في رومانيا ) ، أما ألكاتب بيتر فيلكنز فقد كتب في إستعراض له لأشهر ألكتب ألصادرة عام 2001 في نيويورك تايمز أن ألسيدة مولر عالجت موضوعة( ألبلطجة ) ألتي إستخدمتها ألحكومة ألرومانية بوحشية مع ألناس في حياتهم أليومية سواء أكانوا من ألأزواج أو أفراد ألأسرة ألواحدة أو ألأصدقاء بتقنية عالية من ألسرد ألواقعي ألمدعوم بإشارات واضحة من تلك ألأسر ، ولم تكتفي ألسيدة مولر بل راحت ترفع صوتها ضد ألظلم في المانيا وقالت أنها إنتقدت أولئك ألكُتاب ألألمان ألشرقيين ألذين عملوا مع ألشرطة ألسرية في الآونة ألأخيرة وانسحبت من ( مجموعة ألقلم ) ومنظمات حقوق الإنسان إحتجاجا على قرار ألدمج مع فرع ألألمانية ألشرقية .( 1 )
من ناحيتها قالت سارة ألموظفة في دار نشر متروبوليتان وهي وحدة ناشرة من ماكميلان أن روايات مولر ( في أرض ألخوخ ألأخضر ) و ( تعيين ) أستقبلتا في أمريكا إستقبالا رائعا وأصبح لديها جمهورا من ألقراء يسألون عن أحدث ما نشرته .
أما في بلدها رومانيا فقد وصف ألممثل آيون فوزها بأنه إعتراف دولي لما حدث من قمع في رومانيا وشرق أوربا ، وكان ألممثل آيون مناهضا للشيوعية وقد ركب على إحدى ألدبابات خلال ثورة عام 1989 لمحاصرة محطة ألتلفزيون في بوخارست ، ويرأس حاليا مسرح بلاده ألوطني .
هيرتا مولر بعد كل ذلك ألنضال والتغرب عن بلدها ألأصلي ماذا تعني لها جائزة نوبل ؟ هذا ألسؤال أجاب عنه مالكولم جونز ألكاتب ألأمريكي على صفحات نيوز ويك حيث قال : ( مولر بعد فوزها بنوبل ستجمع ما يقرب من 4 / 1 مليون دولار وهذا مبلغا ليس بالقليل وسيصيب حياتها حتما بالتغيير والفوائد ستصبح أكثر غموضا إذا ماعلمنا أن عملها مع ألناشرين سيكون أكثر حظا من ذي قبل ، أما حكاية خلافها مع حكومة رومانيا ألسابقة فقد تكون ذا فائدة لها ، هذا إذا ما علمنا أن ألروائي ألتركي
( نورهان باموك ) مثلا كان خلافه مع ألحكومة ألتركية سببا في إشتهاره وذياع صيته وإنتشار كتبه ، لكننا نرى أن ألفائز بالجائزة للعام الماضي ( جان ماري غوستاف لوكليزيو ) لم تحقق أيا من كتبه ألجديدة ذلك الإنتشار ألذي يحلم به لأنه ولسبب بسيط بلا ماض سياسي أو نضالي والذي تحقق أن مبلغ ألجائزة جعله يعيش في بحبوحة جيدة ماكان يحلم بها ولسنين كثيرة ، هذا ألأمر يكاد يكون متشابها مع ( وليم فوكنر ) عندما فاز في عام 1949 حيث منحته ألجائزة ألأمان ألمالي والذي إستعصى عليه طيلة حياته ) .
جونز وبعد أن قدم قائمة طويلة للفائزين بنوبل وتأثيرها على تغيير حياتهم يعود ليقول أنها في نفس ألوقت أصابتهم بلعنة لأن معظم ألكتاب ألذين فازوا بها أصبحت نهاية حياتهم ألمهنية قريبة والسبب أنه ليس من ألمرجح لهم إنتاج أعمال كبيرة كتلك ألتي رشحتهم لنوبل وفازوا بها . (2)
ألناشرون وبائعوا ألكتب متفقون على أن ألجائزة تساعد ألكاتب وتعزز ألمزيد من ألمبيعات على ألأقل لبعض ألوقت ولكن على ألمدى ألطويل لايبدو أن لديها تأثير كبير ، والحائزون على جوائز نوبل أمثال ( بيرل باك ) و ( جون شتاينبك ) لم تعد كتبهم موجودة في ألصفوف ألأمامية للكُتاب ألأمريكيين وحتى ( سنكلير لويس ) لايُقرأ كثيرا بعد الآن . ( 3 )
يذكر أن ألفائز بجائزة نوبل يتم إختياره من قبل 18 عضوا من أعضاء ألأكاديمية ألسويدية ، والذين يحصلون على 200 صوت من ألترشيحات في بداية ألسنة يُرحلّون إلى قائمة مختصرة مؤلفة من خمسة أعضاء ومن ثم يتم إختيار ألفائز ألذي يجب أن يحصل على أكثر من نصف ألأصوات ألمدلى بها ، ومولر حصلت على 106 أصوات وبذا تحقق حلمها في ألفوز وبات عليها أن تجعل من أيام غربتها وإضطهادها عنوانا لنصرها وتحقيق أحلامها بعد أن كانت حبيسة أيام ألقهر والتي غادرتها إلى ألأبد .