Deprecated: Required parameter $lineno follows optional parameter $only in /home/public/maakom.link/mini2/vendor/twig/twig/lib/Twig/Node/Include.php on line 20
جياد.. من ريش نسور والاحتفاء بالمختلف الجزأ الثاني

جياد.. من ريش نسور والاحتفاء بالمختلف الجزأ الثاني

2017-12-17
(7)
في الكثير من الأحايين يتابع القارئ أو المهتم، تصريحات البعض من الشعراء والكتاب حول سؤال أدبي أو صحفي يتعلق بأقرب ما كتب الى نفسه، أو عن أجمل كتبه أو دواوينه الشعرية، فاذا به يطلق صرخته التي قد تعادل صرخة ( أرخميدس: وجدتها، وجدتها ) وليكون جوابه : إن كتبه كأولاده وجميعها بمنزلة واحدة من نفسه .
وكثيرا ما يعتمد هذا الشاعر أو ذاك الكاتب على ذائقته الفردية من اجل إطلاق أحكام تعتمد معايير الكتابة الإبداعية بدلا من معايير النقد، لتولد مجموعة أسئلة من الممكن أن يكون أقربها، هل من الجائز اعتماد آراء ومقترحات ومواقف الكاتب/ الشاعر كقوانين وأنظمة ومناهج، من أجل إدارة شؤون الإبداع ؟ قراءة وكتابة !
وهل موقف الشاعر أو الكاتب مما يكتب هي قوانين قبل أن تكون آراء قد تعتمد أو لا تعتمد مفاتيح القراءة، أو الأدوات النقدية؟
البعض الآخر من القراء كثيرا ما يؤكد على فك الاشتباكات، أو الارتباطات ما بين مهيمنات الكتابة كفعل إبداعي ومهيمنات القراءة، وثالثا مهيمنات النقد، لكي تتحول العملية النقدية الى أفعال بعيدة عن الانفعالات والآراء الشخصية وإطلاق الأحكام الشخصية . 
الاختلافات هذه ما بين الأحكام والآراء، ما بين الأدوات المنتجة للقراءة، والأدوات المنتجة للكتابة، وثالثا المنتجة للنقد، تدفع الى وجود آراء متوافقة، أو متضاربة .
البعض يحتفي بالنص، والبعض الآخر ينفي صفة الإبداع، وليهمل الثالث النص، وليتحول المنتج الإبداعي الى منتج للصراعات ولانساق شاطبة لا يمكن أن تجد فيما بينها موضع قدم للإبداع.. وليسود الارتباك جميع العمليات المتعلقة بالعمل الأدبي .
واذا ما كانت للكتابة أدواتها، واذا ما كان للقراءة أن تمتلك أدواتها كذلك، واذا ما فشل القارئ في صناعة استقبال ما، فلمن يعزو المتتبع خللا كهذا ؟
لفوضى وارتباك أي من الأداتين! على الرغم من أن الاختلاف الذي لا ينتمي الى الفوضى يمثل أكثر من قانون يجب أن يكون له دور واضح في صناعة الإبداع المعتمد على المغايرة .
وهل من الممكن أن تكون أدوات الكتابة متقدمة على أدوات القراءة؟ بحكم امتلاك الكاتب لمستويات عديدة من الفهم والإدراك والمعرفة؟ لقد كان الكاتب يمثل أكثر من قارئ، بل إن القارئ ككائن يمثل الجذر الأكثر عمقاً في تربة الكتابة، وما يعتبره القارئ فوضى يعتبره الكاتب نظاماً. هذه الفروقات التي تنمو ما بين القصديات والعشوائيات، ما بين الفوضى والقوانين هل تنتج حالة إبداعية ؟
من الممكن أن يكون الجواب سلباً أو ايجاباً، مع إمكانية التأكيد على الجينات المنتخبة للتحول التراكمات الى فعل إبداعي .
فقانون الكمية والنوعية من الممكن أن يشكل أكثر من منظومة معرفية منتجة، للإشارة الى الفعل الإبداعي. اذاً
هل من الممكن أن تكون التراكمات فعلا قصدياً ؟
قد لا تكون الفوضى أفعالا تراكمية في الكثير من جوانبها، ولكن في البعض من جوانبها من الجائز أن تتحول الى أفعال بعيدة عن المجانية .
وهذا ما يقوم به الكثير من المبدعين والمثقفين غير نافين قدرات ما يحيط بالنص من تأثيرات قد لا يشعر بها الكاتب أو القارئ، ولكنها أفعال منتجة لسواها .
 
***

هل على المبدع عامة، والشاعر خاصة أن يضع أمام عينيه هكذا مقترحات تخص أركان الفعل الثقافي المنتمي الى المغايرة ؟
هل كان ( مقداد مسعود ) على بينة من هذا، حين دفع بجياده التي تشكلت من خلال ريش نسور ؟
قد لا تكون هكذا أفعال ضمن حالة من القصدية !
فالقصائد/ الجياد كثيرا ما تتشكل وفق حامضها النووي الخاص، أو عبر الجينات المشتركة مع سواها، تتشكل بعيدا أو قريبا من عملية القراءة أو بعيدا أو قريبا من الكائن/ المتلقي .
فطقوس القراءة، ومنظومة الكتابة منظومتان مستلتان من بعضهما، بقدر ما هما متداخلتان .
فالشاعر قد يعيش حالة ثنائية تستطيع خلق حالة توازن، أو تقارب بين الاثنين، وهذه المعايشة تعتمد الثقافة/ المعرفة واتساع الأفق وقوة الانتقال من أحواض/ فضاءات هذه لتلك، وقد يتصدى هذا الحقل لآخر .
جياد ( مقداد مسعود ) تأخذ من النسور وحشيتها، ومن فضاءاتها قدرتها على الحركة والمناورة، وتحويل سكونية الريح الى قوة رافعة/ الى مصدر للتحليق .
جياد ( مقداد مسعود ) كائنات تنتمي الى أساطير بدائية تزخر بها شعوب الشرق أو تزخر بها الصحارى والميثولوجيات الدينية .
هل كانت خيل المتنبي هي أسلاف جياد ( مقداد مسعود ) أم هي محاولة لإعادة تشكيل المجسي الأول للخيول .
وعلى القارئ وحين تحاصره القراءات، عليه أن يطلق تساؤلاته عسى أن يجد لدى الشاعر ما يطلق القلق بمواجهة القلق، وليفصح النهار عن بعض مخبوءات الليل/ العتمة لا عن جميعها .
***

هل تشتغل القصيدة المعاصرة على تقنين الفوضى ؟ أو على انتفاء الخصائص المنتشرة في جسد الكائن الشعري، خصائص الاتقاد والتبدل ؟ وهل نسور ( مقداد مسعود)  هي الكائن المعدل من بقايا العنقاء ؟ فقصيدة ( مقداد مسعود ) كائن لا يعلن عن تكويناته رغم انتمائه للأسطورة أو للميثولوجيات/ البراق . فهل يستطيع القارئ أن يساير الشاعر في قلوعه ؟ هل بمقدور القراءة التي تنتمي الى الكثير من العقلانية أو المحاكمة أن تماشي الكتابة المضطربة لقصيدة تعتمد شيئا من الحكمة ؟
القصيدة تحاول إخفاء فوضاها وراء واقع مدجن.
أنا شخصيا أعتقد غير ما سبق من تساؤل تعتمد التوقعات .
قارئ ( مقداد مسعود ) سيكون على مسافة واضحة من التباعد مع مقداد مسعود، فالشاعر غير مستعد – كما أتوقع – أن يبايع قارئا لكي يكون أميرا على قصائده . فالقارئ قد يكون شاعرا، ولكن ضمن حالة استثنائية، قد يطمح الشاعر الى صناعتها . ولكن هذه الاستثناءات لا يمكن أن تشكل قانونا ليقوم الشاعر بالتنازل عن حقوق القصيدة في صناعة المسافة التي تحافظ على هيكلتها من عبث القراءة .
فالإحساس بالأمانة أمر قد لا يتوفر، وعلى طول الخط لدى المؤتمن عليها وهو القارئ .
هل سبق لجياد ( مقداد مسعود ) أن دخلت مضمار سباق يديره مراهنون ؟ هل سبق وان ربطت الى عربات نفط الأوبك ؟
هل سبق أن جرت من ورائها عربات نقل الأنقاض ليشبعها العتاكه جلداً ؟
هذا القارئ أو ذاك ممن منحهم الشاعر ثقته بقدراتهم القراءاتية لابد لهم من أن يؤكدوا لسواهم أن جياد الشاعر التي من ريش نسور، لم تولد بعد؛ لذلك ستظل بعيدة عن عملية تحويلها الى مجموعة مطايا يسوطها الجهال ممن تمكنوا من تملك بعض رموز الكتابة .
 
***
من المتفق عليه في عرف ( مقداد مسعود)  هو أن لا شيء يقف خارج الشعرية، فبين يدي الشاعر، وفي حضرة الإبداع، كل الأشياء، كل ما يدور في ذهن المبدع – أفكار ومواضيع، أزمنة وأمكنة، أحداث ووقائع، موت وحياة – كل الموجودات تتخلى عن كراماتها الشخصية لتجد بـ ( مقداد مسعود ) الكثير من الحلول التي تبقيها مشروحة الصدر ويحلل عقدة من لسانها وليفقه القارئ قولها .
القارئ للفعل الشعري الطالع من ( مقداد مسعود ) لا يمكن أن يخرج عن هذه التجربة، وكما تقول العرب ( خالي الوفاض ) أو ( بخفي حنين ) أو مخذولا، فالقراءة قد تمنح المتعة أو الحكمة، أو شيئا من الفنطازيات، قد تنتج معرفة، أو اقترابا من هدف ما، حلم، امرأة، مدينة فاضلة، ثورة، احتجاج، قد تكشف تاريخا وتستطلع جغرافية .
قد تشكل بعض السحر أو محاذاة للوسواس .
قد تقنع القارئ عند الشك أو عند حافة اليقين .
قراءة ( مقداد مسعود ) لا يمكن أن تكون إلا احتفاءً بالمختلف .

(8)
( مقداد مسعود ) في جياده يصر على إنتاج القلق، من خلال وجود الثمرة الشوكية . تلك التي تشكل علة الوجود من جهة والمنقذ/ المخلص/ كودو من جهة أخرى. هل يحاول الشاعر الذهاب حيث يقف الفيلسوف أو العرفاني ليفكك له هذا الجانب من الحياة؟
إذ لولا وجود العلة لتحولت القصيدة الى صخرة – كما يقال – صماء، إنها المنتج الأساسي للألم من طرف، وللبحث عمن يضعف قدرة الخراب من جهة أخرى .
لابد للقارئ الذي يجب أن يتابع كائنات الشاعر أولا، وكائنات الفنان التشكيلي ( صدام الجميلي ) ثانيا، أن يتذكر كائنات جواد سليم في نصب الحرية، أن يتذكر انتفاضة الفرس في اللافتة/ النصب وانتفاضة الفرس في اللوحة/ الغلاف .
إذ ان الفرس والفارس يشكلان أكثر من قطب داخل النصين الشعري والتشكيلي، وبالتالي يتحول الفنان وصديقه الشاعر الى كائنين منتجين للشفرة التي ستظهر في جدار ( الثمرة الشوكية ) من اجل إبطال مفعولها، أو إلغاء بعض تفاصيلها .
هذا الإبطال المؤقت/ الإلغاء قد ينتمي الى الوهم، فالحياة لا يمكن أن تكون بعيدة عن توليد إشكالاتها والتي ومن ضمن مفروزاتها على مستوى الفرد والجماعة استحداث إشكالات القصيدة التي يكتبها الشاعر المعاصر . فمادامت الحياة في ركن من أركانها تقدم نفسها كحالة جمالية فلابد من وجود النقيض/ القباحة .
والإنسان قد لا يمكنه التخلص من الألم، والشطب على مفاصل إنتاجه ولكنه قادر على إيقاف هكذا درنات/ أورام سامة، أو غير حميدة، والتقليل من كمية ما تترك وراءها من تهديم وتمزيق للنسيج الجمالي للحياة، والتي سوف تدفع بـ ( الثمرة الشوكية ) الى فقدان البعض من أشواكها وترك الباقي كمحفز لإنتاج المتع واللذائذ بشكل يفوق مهيمنات الإطاحة بالكائن البشري الطيب جدا، والماكر جراً .
***

ولأن ( مقداد مسعود ) شاعر منتج للجمال من خلال القصيدة؛ فلابد للقارئ من أن يتحول الى منتج لجماليات القراءة، منتج للمداخل القراءاتية المتعددة حيث يشكل الفعل القراءاتي أكثر من موضع قدم عند بوابة القصيدة .
فالشاعر يعمل على التقليل من الخسائر التي تلقي بثقلها على الكائن البشري والإبداعي، لتجد – القصيدة – نفسها في حل من الاستجابة لأنماط مستهلكة من القراءة، أو الاستجابة لمفصل حياتي مقبل على الانهيارات .
هل وجود قارئ بمواصفات متقدمة أمر قد يتوفر للجميع/ جميع الشعراء، ولجميع التجارب الكتابية ؟ أعتقد وأؤمن وبشكل قاطع أن القراءة فعل منفرد، فعل معرفي أولا وأخيرا قد ينتمي جزء منه الى قوانين أنتجها الفعل الأكاديمي/ المدرسي ؟؟
هل من الممكن أن تتخلى القصيدة التي يكتبها ( مقداد مسعود ) عن القوانين والأنظمة التي يجب أن تكون بعيدة عن مهيمنات تابعة للشطب أو الممنوعات ؟ وقد تكون هناك يد خفية للفعل الأكاديمي في إنتاج أنظمة الكتابة والقراءة من جهة، وأنظمة التخلي عن المنجز الإبداعي من جهة ثانية .
( مقداد مسعود ) يؤكد على أنظمة القراءة والكتابة - أنظمة قد تنتمي الى شيء من الصرامة – يحسبها القارئ أفعالا قاتلة .
إنها أنظمة البحث عن البدائل، عن إنتاج مفردات حياتية تمتلك مبررات وجودها، مفردات لا تستكين للتهميش؛ لأن القصيدة بذاتها فعل غير هامشي، بل إن تمركز الفعل الحياتي سيظل ممسكا بالفعل الشعري، حيث تتحول الطفيليات والأدغال الى تربة صالحة للإنبات لأن وظيفتها في الأساس أن تتحول الى (بتموس) لا الى غابات .
غابات ( مقداد مسعود ) محتويات كتبه الشعرية/ قصائده ترفض البروز أو ممارسة الحياة في الظل، أنها تبحث عن كشافات من أطرزة جديدة، قراءات جديدة، لفعل من الممكن أن يعمر طويلا في فضاء التحديث .
فالقصيدة في ( جياد من ريش نسور ) ( لا من ريش نعام ) المنتج للخمول والنعاس، والترف المتطرف، حيث يشكل ريش نسور كتابة عن القدرة على التخلص الأرضي .
هذه القصائد مؤهلة لإنتاج التواصل، لا لإنتاج القطيعة، إذ ان من مهمات الفعل الإبداعي المعاصر/ القصيدة هي سحب الكائن البشري من منطقة الظل/ اللاقراءة الى منطقة النور/ القراءة .
لأن القراءة كفعل ثقافي لابد من أن يكون منتجا للمغايرة، ففعل مثل فعل صناعة القارئ، وآخر عن صناعة المغايرة هما فعلان لا ينتميان للعزلة بقدر انتمائهما لفعل التواصل، فعل تدمير الحواجز، فعل بناء البيت الإبداعي. وعلى الرغم من أن القارئ المعاصر قارئ ذكي، وذلك بفعل توفر/ تراكم المعارف ومصادرها، يظل بحاجة ماسة وضرورية الى شاعر ذكي كذلك، بحاجة الى قصيدة غير منتجة للإحباط بسبب انتمائها لأنماط سلوكية، لأنماط تخلو من محاولات التقدم على مسارات المتلقي.
هكذا هو القارئ اليوم، قاري يريد من القصيدة أكثر من فضاء لطموحاته ولنظريات المعرفة، قصيدة تعدو بما تحمل من قدرات ومن خلفها مناهج ومصطلحات ومفاهيم، ومن خلفها قرّاء ومثقفون ومعنيون، قصيدة لا تجرجر من خلفها معوزين وجهالا، قصيدة تنهض بجمالياتها، لا القصيدة التي تسحل من ورائها أيتامها ومدنها المتداعية، حيث مازالت نظراتها وأحلامها تدقق وتحوم حول بقايا أفعال ماضوية لم تستطع أن تتخلى عن جذور مصابة، لتنتج جذورا أكثر قابلية على توفير نسغ يتمتع بشهية فائقة لإنتاج ثمار وأوراق وغابات بمستطاعها أن تتحول الى أعشاش ومفاقس لمفاهيم ورؤى بعيدة عن النرجسية، قريبة من البحث عن الآخر، سواء كان ضمن حالة من الاختلاف أو حالة تشبه التوافق وما هي بالتوافق .
 
***

 
هل كانت قصيدة ( الجياد ) متقاطعة مع الواقع ؟ لتجد نفسها في الميتاواقع، في الحلم، في المخيال، في الفنطازيا، متخذة من التجريب والتغريب مجموعة مفاتيح لتعالج العديد من المغاليق لا لتدمرها فحسب بل لتعيد تشكيل مفاصلها، لتعيد بناء كلمة السر .
إنها تخرج من رحم التجربة لا من أجل تدمير منظومة الرحم المنتج، بل من اجل إنتاج جينات جديدة .
فـ ( مقداد مسعود ) لم يكن شاعرا يجتهد على حساب القصيدة، ما إن يجتهد ويخطأ حتى يربح حسنة، بل كان يجتهد ليصيب وليمسك بالحسنتين سوية، الأولى القصيدة والثانية الشاعر .
كذلك لا يمكن أن تتوفر فرصة الكتابة وفق منظومة إبداعية واحدة تصلح لاستخدامات جميع الشعراء .

(9)
( كوكبة الكوثل ) والكوثل ضمن سلطة القاموس هو المكان الذي يشكل مؤخر السفينة، هل كان في مخيلة ( مقداد مسعود ) أن جياده سفينة تحتل آخر الكتاب كما يحتل شعراؤه المختارون مؤخرة السفينة ؟
ثلاثون شاعرا وشاعرة واحدة، كائنات استثنائية لا تتقبل خلط الأوراق، واذا ما كانت ( آمنة بنت الشريد ) بعيدةً عما متوفر تحت اليد من السير حالها حال ( سُلم الخاسر ) و( الأصم المرواني ) و( طويس ) و( عيسى بن الأزرق ) و( محمد بن واسع ) لتتشكل مجموعة من المجاهيل عند هذه اللحظة .
امرأة واحدة، ورجال أربعة .
ليتبقى بين يدي القارئ ( ستة وعشرون شاعرا ) يمتلكون شيئا من التاريخ، والكثير من البقاء والديمومة .
ست وعشرون علامة بارزة في تاريخ الشعر العربي بدءاً بـ :
( دويد بن زيد الحميري ) الذي لا تاريخ له، يقال عنه: انه عندما حضره الموت قال لأبنائه ( أوصيكم بالناس شراً )، وانتهاءً بدعبل الخزاعي الهجاء، الذي هجا الخلفاء وغيرهم والمتوفى سنة ( 220هـ )، ومن قبله تميم بن مقبل، الذي أحب زوجة أبيه وتغزل بها وتزوجها، وبعد إسلامه كان يحن لجاهليته، وهذا عمرو بن براقة/ الصعلوك، وسحيم/ العبد الأسود الذي قُتِل بسبب تغزله الشديد بنساء قومه، وهذا عبد يغوث الحارثي، والذي خيّر كيف يرغب أن يموت، فاختار أن يشرب الخمر ويقطع عرقه الأكحل ويموت نزفاً، ليجيء الكاتب والشاعر والأديب والجواد والمنجم كشاجم، وليحل من بعده ( عبد الصمد بن العذل ) المتوفى سنة (240هـ) .
وليختار ( مقداد مسعود ) من بعد عبد الصمد الشاعر ( السيد الحميري - اسماعيل بن محمد ) الذي كان كثير الهجاء والذي لا سيرة له، وله من الشعر الجميل الكثير . ليجيء دور ( عمرو بن قميئة ) اليتيم الذي رافق امرئ القيس الى كسرى فمات في الطريق، وليلقب ( بالضائع ) ليكون التالي ( قيس بن الخطيم الأوسي ) والمتوفى نحو (620م) الباقي على جاهليته رغم حلول الاسلام، فكان ( لقيط بن يعمر الايادي ) والذي لا يعرف تاريخ موته بدقة، والذي قطع كسرى لسانه عندما كتب رسالة يحذر قومه من غزوة يقوم بها ( كسرى – سابور ذو الأكتاف ) لقومه، ليحسن اختيار ( بشر بن أبي حازم الاسدي ) المتوفى نحو (533م) كان فارسا شجاعا، فكان التالي الشاعر ( المتلمس الضبعي ) المتوفى نحو (659م) كما يقال، ليحل من بعده ( الأسود بن يعفر النهشلي ) الذي كان ينادم النعمان بن المنذر مات على الأرجح نحو (600م) ليكون التالي ( طرفة بن العبد البكري ) الذي نشأ يتيماً وعاش حياة لهو، قيل قطعت يداه ورجلاه ودفن حياً، يلقب بـ ( الغلام القتيل ) فقد مات وهو في السادسة والعشرين نحو (564م) صاحب ( اذا القوم قالوا من الفتى ؟ خلت انني عنيت فلم اكسل ولم أتبلد ) من بعد ( الغلام القتيل ) يحضر ( ابن لنلك ) الشاعر الذي هجا المتنبي والمتوفى حوالي سنة (400هـ) والذي قال في الزمان – ذما وقدحا – ما لم يقله شاعر من قبل ليحل ( الأحمر السعدي ) الشاعر الذي كان لصا فاتكا ماردا والذي هُدر دمه، وتبرأ منه قومه، ويقال انه تاب من اللصوصية قبيل وفاته نحو (170 هـ) ليكون ( يزيد بن الطثرية ) هو التالي والذي ( كان جميلا، تفتن به النساء، ويقال كان عنينا، أحب امرأة اسمها وحشية، سُجن لكثرة ديونه، فقد كان مبذراً، مات قتلا سنة (744هـ) ليجيء من بعده ( أعشى همدان ) والذي أسِر في الديلم في إحدى غزواته، فأحبته هناك ابنة الأمير الفارسي – كما يروى – وهو في الأسر، ثم خلصته في الليل، وهربت معه، قتله الحجاج نحو (702هـ) ليجيء صاحب ليلى الاخيلية من بعده ( توبة بن الحمير ) الذي قتل نحو (704هـ) وليخلي توبة المكان لـ ( دهبل الجحمي ) الذي اشتهر بجماله، وبحبه لامرأة اسمها ( عمرة ) مات نحو (682هـ)، ليكون ( يزيد بن مفرغ الحميري ) ما قبل الأخير، حبسه عبيد الله بن زياد، والذي كان يكتب شعره على جدران سجنه، فيؤمر أن يمحوه بأظافره فزالت ثم صار يمحوه بعظامه ودمه مات نحو (688هـ) وكان آخر ( كوكبة الكوثل ) دعبل الخزاعي المتوفى سنة (220هـ) والذي كان مولعا بالهجاء .
 
***

لقد عمل ( مقداد مسعود ) على صناعة حشد من الكواكب من الشعراء الشعراء.. ما بين سيد قومه وصعلوك، أو عاشق أو هجّاء.. ما بين لص غازٍ ومقاتل، إلا أن الجامع لكل هؤلاء كان خروجهم على المهيمنات السلطوية الأب، الحكومة، المجتمع، والتأكيد على الكتابة المختلفة عن سواها، فقد كانت للشعر سلطة تفوق ما لدى الأمراء، وكانت للمرأة سلطة الحياة، وللزمان قوة الإلغاء، وما كان أمام الشاعر ( مقداد مسعود ) سوى أن يشكل مجتمعا مصغراً .
هل كان بإمكانه إقامة جمهورية الشعراء ؟ وهل كان على هذه الزمرة المباركة من الشعراء أن تنبذ خروجها على الحسّ الجمعي ؟ ومن ذا كان بإمكانه أن يدخل مدينة/ جمهورية كهذه، بعد أن يتخلى عن فرسه وسيفه وتاريخه المليء بالتناقضات من أجل صناعةٍ تعتمد السكونية والملل والطمأنينة ؟
لقد كان الشعراء ومازالوا بحاجة الى صناعة مدينة، وإن تكن غير فاضلة، مدينة مفتوحة، لا قوانين سوى قوانين الشعراء أنفسهم، ولا سلطات سوى سلطات القصيدة نفسها، ولا سلطة لأحد عليهم سوى سلطة الشعر .
هل كان ( مقداد مسعود ) مخططا لجماعة ( كوكبة الكوثل ) ص98 عندما كتب من قبلها ( ما لم يقله النفري ) ص96 والذي قال سابقا ( ما إن تتسع الرؤيا حتى تضيق العبارة ) ليقول ( مقداد مسعود ) :
"الكتابة غابة/ قابلة للحريق/ وهي السفينة/ صالحة للغريق
ماثل ما بين قنطرة وطريق/ كلامي حصاني/ وحصاني لساني/ وعيني/ لجام الحصان" ص97 .
* تم استقاء جميع المعلومات أعلاه من كتاب (ديوان الشعر العربي)، الكتاب الأول والثاني للشاعر (علي أحمد سعيد) أدونيس .
***

( كوكبة الكوثل ) إنها الصحبة القلقة رغم ثباتها، التي انتقاها ( مقداد مسعود ) ليعيد تشكيلها وفق بنية القصيدة التي يكتبها، والتي تعتمد الاختلاف أساسا . الشاعر يجمع شظاياه وكسره ليوالف ما بين السيد والعبد، ما بين الأمير والصعلوك، ما بين الفتى والشيخ، ما بين الضائع والمهدور دمه .

انه يركّب ويربط، ويقارب ويجاذب، وما كان مسؤولا عما فعل وكيف فعل، ولماذا والى أين سوف تصل به القصيدة .
هل كان الفتية قبل أن يعاينهم ( مقداد مسعود ) ليضعهم على ظهر سفينته/ جياده وليصنع منهم نسيجا انتظر أصابعه منذ قرون وقرون، لينفخ في حيواتهم، في أسمائهم، ليحول الذاكرة الى فعل شعري .
لقد كان الشاعر أكثر من معمار عندما نفخ في الغبار الذي كان حجراً، عندما استطاع أن يستلهم من ذاكرة التاريخ، وليحول القراءة الى فعل ينتمي الى البحث والاستقصاء، ووضع اليد على المطموس.
هل من الممكن أن يقوم القارئ بإكمال الفعل الشعري الذي بدأه الشاعر المتأخر (مقداد) ليتمكن من الإمساك بالشاعر المتقدم؟
     هل إن كتب التاريخ الأدبي/ الشعري متوفرة وتحت يد من يطلبها؟
     هل كان على (مقداد مسعود) أن يسعف طلب القارئ وليتحول الى باحث في التاريخ والسير والتراجم، متخلياً عن الوظيفة/ الفعل الذي تعهده وأقصد به الفعل الشعري؟
     إن كتابة فعل ينتمي للتوضيح، والى ما يسمى تسليط الضوء، في صناعة كشاف للحيوات، ليكون القارئ على بينة من أمره، هذه الكتابة/ الكشاف لابد من حدوثها وصناعتها، من قبل شخص آخر بعد أن تخلى الشاعر عن المهمة لسواه، بعد أن أعلن أو يعلن القارئ عن حاجته الى هكذا مجموعة من الهوامش.
     لقد كان (مقداد مسعود) أكثر من أمين على كتابة نص يعتمد توفير فرصة الانحناء احتراما وتقديرا واعترافا للمنجز وبالمنجز الشعري لكوكبة من الشعراء الأسلاف.

(10)

هل كان (مقداد مسعود) صاحب متحف للوجود/ الحياة؟ أو جامع أحجار كريمة أو مقتنيا لمقتنيات استطاع (أدونيس) أن يوفرها لمن يهتم بها، كمصدر للمتعة والمباهاة والاحتفاء.
     لقد كان (مقداد مسعود) يؤسس لقصيدة تمتلك من القوة/ قوة التجاذب والتماسك ما يؤهلها لأن تتحول الى فضاء من الاحتجاجات، وتقويض أنماط الحياة, ولأن هذه الكوكبة من الشعراء تعتمد اللاتوافق في حياتها الشخصية/ الفردانية استطاعت أن توفر/ أن تفرض على الشاعر اللاحق أن يقول موقفه عبر توفير معبر شعري يجيز لهم الحضور، ليجد القارئ نفسه وسط التاريخ، حيث يبتكر الشعراء لأنفسهم هبوطا غير ملزم بالمفهوم الخاص، أنهم يقدمون أنفسهم ليعلنوا بعض التضامن مع كوكبة معاصرة من الشعراء الفقراء قد يكون أولهم (علي احمد سعيد) وثانيهم (مقداد مسعود) والشاعر/ الألف الذي هو القارئ، الباحث عما يسميه الآخرون الحقيقة، تلك الحقيقة المنتمية الى الجمودية، بل الباحث عن اللاحقيقة عن الأثر الذي تتركه الريح/ الحلم من ورائها على الحجر.
***

     هل كان (مقداد مسعود) يعمل على صناعة ما يختم به كتابه الشعري (جياد من ريش نسور) ليغلق مواضيع الحياة؟ أم كان يدمرها، لتتكاثر من بعده المغاليق التي لا فكاك من وجودها! لكي تبقى محنة الحياة قائمة، تتلخص بوجود جذر سوف يتم اكتشافه/ اكتشاف وجوده لحظة سقوط الجدار الأول.
     واحد وثلاثون فعلا شعرياً.
     ثلاثون شاعراً وشاعرة واحدة، من بين المئات والآلاف من الشعراء المعترف بشاعريتهم، بتجاوزاتهم على هذا النمط من القول أو ذاك.
     ولكن لماذا هذه الكوكبة ذاتها؟
     هل كان هناك رأي شخصي، أو رؤية شخصية، أو موقف انطلق من خلاله (مقداد مسعود) ليضع كل شاعر قاب قوسين أو أدنى، من أفعال شعرية كثيرا ما تبخل الحياة بأمثالها، ولا تجود بالمختلف.
     وهل على الشاعر أن يبرر أفعاله، أو أن يضع مجموعة مفاتيح بين يدي القارئ؟ الشاعر يكتب قصيدته، وحين تكتمل – تجاوزاً  - تنسل من بين يديه عالماً أو غافلا الى حيث القارئ، وما من حل يقول (المعنى في قلب الشاعر)، بعد أن أصبح المعنى في مكب/ بطن القارئ.
     إن مفاهيم الحياة المتعددة والمختلفة، والتي لا تعتمد القناعات المستبدة تقول وتؤكد على أن القارئ هو الكائن الوحيد المتمكن من خلال المعارف من إدراك المعاني والمباني، والمواقف والرؤى والوصول الى ما لم يقله الشاعر نفسه، وليتحول القارئ الى كائن متمم ومكمل للحلم الأول الذي حاول الشاعر نفسه الإمساك به، ووضعه داخل قفص الكلام.
***

     (مقداد مسعود) في (كوكبة الكوثل) لم يكن جامعاً للأخبار، أو مؤرخا للأحداث، أو باحثاً عن المختلف، ولم يكن متتبع آثار، ولا صاحب معجزات، لم يكن صانع مفارقات، أو مؤسسا للاختلاف، بل كان نافخاً في البوقات، ورافعاً الغطاء عما ينتمي الى المطموس، ليظهر على السطح الكائن القارئ، وربما كان كل ما سبق أن تم نفيه عنه.
     إنها الحميمية في صناعة العلاقات مع النفس ومع الآخر، تلك التي تمجد الإنسان المبدع حد الهوس، والهوس هنا – أن تتحول المفردات والأشياء والمفاصل العادية والاعتيادية الى استثناءات، الى مكونات لم يكن لها وجود من قبل.
     (الأشخاص، الأماكن، الأزمنة، النباتات، الأحجار) كل ما يقع، أو ما يمكن أن يقع تحت سلطة التغيير، ليتأكد للقارئ أن الاختلاف هو الأكثر حميمية مع الشاعر
(أيتها الحياة
أيتها
الحياة
لستُ من الناقمين
عليكِ.
كل جرائمك ضدي
نضدتها
ذاكرتي في ملف
وبريشة دعلج
خطت على الملف
(جرائم وردية).

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved