قراءة أعمال الدكتور مصطفى محمود، رحمة الله عليه، سهلة جداً.. لن تحتاج إلى مراجع ومصادر أخرى غير الكتاب الذي في يدك (وعادة ما يكون من الحجم الصغير) وقد قرأتُ جُلَّ أعماله منذ ثلاثين عاماً - أي منذ أن كنتُ في الحادية عشرة من عمري (كما أوضحتُ ذلك في كتابي "سيف بن أعطى" وفي عدد من المقالات والحوارات المتوّجة بملفٍ ثقافيّ - تكريميّ عنه*، سرَّ به في حياته، وأشعرني أنني أوفيته بعض حقه الذي حاول آخرون تجاهله ففشلوا..)..
غير أنّ الكتابة عن أعمال هذا الرجل الاستثنائيّ - صاحب العلم والإيمان، وألغاز الحياة والموت - هي من أصعب الكتابات على أيّ مثقف، إذ كيف ستكتبُ عن عقلك وإحساسك؟ أعمال مصطفى محمود هي إضافة حقيقية لعقل وإحساس كلّ قارئٍ لها.. لهذا سأظلّ مصراً على عدم الخوض في "التفلسف" عن تلك الأعمال الخالدة، وسأكتفي فقط بتكرار التأكيد على كتابه (لغز الحياة) بأنه كان دليلي إلى القراءة الجادة والتفكير العميق، والتأمّل، والاستمتاع بالمثابرة والتوغّل في محاولة الفهم المؤدي إلى شيء من الحقيقة.. أو أشياء...
وسأكتفي كذلك بأن أقول كلمة صادقة أثارت استغرابي من شعوري: حزني على وفاة أستاذي مصطفى محمود، لم يكن بحجم الحزن والألم اللذين كانا يعتصران قلبي وهو طريح الفراش في مرضه الذي استمر يعاني منه لأكثر من خمس سنين..
لقد قلتُ في نفسي، بعفويةٍ أرجوها لنفسي: الحمد لله أن أراحه من عذاب المرض، والدنيا، ورحمة الله عليه بعدد كلّ ذرة نموّ أحدثها في عقل وقلب كلّ إنسان تعلم منه.. ولستُ خائفاً على تراثه الفكريّ، فسيعود للواجهة بعد أن رحل صاحبه الكبير، آخذاً معه كلّ حقدٍ وحسدٍ وغيرةٍ كانت عند من لا يعلمون ولا يعملون ويغيظهم أن يكون بينهم عالمٌ يعملُ كما عمل مصطفى محمود.
أمّا عزائي لأسرته (ابنته أمل وابنه أدهم ووالدتهما الطيبة الوفية) ولنفسي، ولقرائه جميعاً.. هو نفسه عزاء مصطفى محمود لنا في كلمته الخالدة: (قيمة الإنسان هي ما يضيفه إلى الحياة بين لحظتيْ ميلاده وموته).. ومصطفى محمود أضاف لحياتنا المعاصرة الكثير.. الكثير..
31/10/2009
f-a-akram@maktoob.com
*رابط ملف مصطفى محمود
http://www.al-jazirah.com/culture/2008/07072008/speuss.htm