منذ نحو سنتين وأنا أتابع ما يندّ عن الشاعر "العباسي"، فقد تميز من بين الأسماء القليلة التي أتابعها بإبداع .. تميز بخصائص اجتمعت لديه وانسجمت باتساق، وأحسب أن اللغة التي تتسم بانسياب دون تكلف وهو ما يطلق عليه النقاد الرواد بالشعر المطبوع، والانسياب هو تشبيه مجازي بالماء حين ينساب في جدول رقراق، فالنص خالٍ من مفردات ثقيلة أو معجمية يتعمدها بعض الشعراء لبيان سعة الإطلاع، ولا أرى التبرير وجيها، فقد تبدو وكأنها عقد في النسيج الشعري . إلى جانب انسجام العبارة الشعرية يجد المتمعن في النص تلك العروة الوثقى التي تربط المعنى مع اللفظ ، مما يثري النص الشعري في الجانب الصوتي الموسيقي جراء التفاعل الداخلي بين أجراس المفردات ضمن العبارة الشعرية من ناحية، وكذلك انثيال العبارات وتفاعلها في نسق النص الشعري ككل (القصيدة) . زد على ذالك تنويع القوافي تنويعاً خلاقاً أثرى الإيقاع الشعري بين روي العين وروي القاف المنفجر المقلقل !
وهناك السبك الفني المحكم، الذي ميز شاعرنا "العباسي" الذي (السبك) لا يسمح بالزوائد من المفراد التي يعمد البعض إلى حشوها ل"نفش" القصيدة من أجل زيادة الكم مما يؤدي إلى الترهل في البناء الشعري..
القصيدة غنية بالتراكيب البلاغية المتداخلة، مع الصورة الحسية، فالحبيبة شمس، وهذا التعبير شائع في اللغة السويدية وربما أيضاً بالألمانية فالتقارب بين اللغتين محصلة تاريخية سكسونية ! ويقال إن اسم لينه من أصل عربي ورد في القرآن الكريم، ويعني عجوة التمر، وإن كنت أتمنى لو كانت "لينا" لاعتبار صوتي يبدو لي أجمل !
مُدخل القصيدة تصويري عذب، وأرى الاستهلال أو المطلع هو تاج عروس بالنسبة للقصيدة، فأن عني به الشاعر ضمن جمال القصيدة :
وجه الليلة ارمد ..،
وأرقبُ من جيب الليلة قمراً ضاع
هذي الليلة تشبهني في الوحدة والأوجاع
يا لينة .. يا أخت الشمس
يبدو أن القصيدة مفعمة بالمناجاة الرمادية ! لكن لا تعدم التشبيب والغزل ما شكّل نقلة ضرورية وهو ما يطلق عليه في البلاغة بحسن التخلص :
تشبه عينيك الواسعتين الأحداق
تشبه لمع النجم الخافق في الافاق
يا لينة من يشبه صبحك ؟
من يشبه اسمك في الأسماء
من يشبه حرفك إذْ ترشفهُ الأوراق
ويبدو أن لينا جميلة فقد أوحت لشاعرنا ب"موتيف" جميل، ولا يأتي من الجميل إلّا الجمال !
تحية للشاعر المبدع "العباسي" فقد أجاد وأبدع..
24/8/ 2021