كتاب/ الكاتب الأمريكي مانينغ ماربل" حياة من الإبداع

2012-09-19

مالكولم إكس "الثائر الأسود بمواجهة العنصرية !

كانت طفولة " مالكولم ليتل مانينغ " الشهير بإكس * مأساوية حيث توفي والده عام 1931 في حادث ترام وربما جاءت تلك الوفاة بدوافع عنصرية كما يقول ماربل في مفتتح كتابه، وفي عام 1939 كان الشاب مالكولم قد بلغ من العمر 14 عاما وجد نفسه فجاة في دار لرعاية الأيتام بعد دخول والدته لويزا التي كانت ترعاه بعد وفاة والده مصحة للأمراض العقلية، فعاش هناك سنوات وجد نفسه عام 1941 يعيش حياتاً خشنة بعد ان خرج الى الشارع وهو أشبه بذئب مفترس يتنقل بين ديترويت، وواشنطن العاصمة، وبوسطن في حي هارلم، واصبح متهما من قبل الحكومات المحلية لنشاطاته المتعددة ببيع الحشيشة والقوادة وسرقة المنازل، كان يأكل طعامه من باعة الوجبات الخفيفة على متن القطارات التي يتنقل من خلالها بين المدن الأمريكية إلا انه سقط في قبضة الشرطة عام 1946 ليستقر في سجن تشالزتاون بمدينة ماساشوستس بعد أن حكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات وضع مالكولم فيها هناك حدا لحماقاته وليصبح مالكولم إكس الذي قال : ( أنا لا أعتقد أن أحدا استفاد من فترة سجنه مثلي "، وبعد وقت قصير من اطلاق سراحه اصبح نجما صاعدا في " أمة الإسلام " وهي الحركة التي كان يتزعمها آنذاك اليجا محمد، فكان أن توجه صعودا ونزولا على الساحل الشرقي لأمريكا داعيا الى بناء المساجد يدفعه الى ذلك فخر السود به وامتد ليشمل توجيها بإنذار شديد اللهجة الى الأمريكيين البيض إما ورقة الإقتراع أو الرصاص، تلك الورقة التي من شأنها أن تمنع الظلم عن السود المضطهدين فانظم العديد من السود لتلك الحركة بعد أن ضاقوا ذرعا وهم يعيشون في ظل نظام الفصل العنصري الأمريكي . مانينغ ماربل ينتقل بعد روايته لصعود إكس الى صفحة أخرى من حياته وهي التي شهدت انقسامه على أليجا محمد الذي كان يعتقد أن مالكولم يتملق قادة الحقوق المدنية ويحاول الإنفصال عن حركته خاصة بعد زيارته الأخيرة الى مكة التي عاد منها ليواجه بعدة اطلاقات من الرصاص في قاعة أودوبون في هارلم وهو يلقي خطابا حيث غادر الحياة الى الأبد يوم 21 فبراير / شباط 1965 ، لكن مقتله ظل لغزا كما يقول ماربل وألهمت حياته الكثير من المخرجين السينمائيين والكتاب والرسامين والمسرحيين وحتى اصحاب الراب، وقد ذهب ماربل الى بعض مؤرخي تلك الفترة الذين ظلوا صامتين زمنا طويلا يستنطقهم ويجري مقابلات معهم معتمدا كذلك على تقارير الشرطة ووثائق مكتب التحقيق الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية، وكانت النتيجة ليست مجرد سيرة ذاتية لهذا الثائر بل أيضا تأريخ لمسلمي أمريكا الذي يجهله الكثير من هذا الجيل، مركزا بالوقت نفسه على المؤامرة التي أدت الى اغتياله وتشابكت خيوطها بين كل تلك الدوائر . كان مالكولم إكس في نظر أليجا محمد بداية تعارفهما مجرد تلميذ موهوب يملك الكثير من الإمكانات والانضباط الذاتي، ومع ان محمد كان مزهوا بنفسه - بحسب تعبير المؤلف - للحصول على اتباع لحركته، بينما كان مالكولم تفتنه التيارات السياسية اضافة الى هذه الحركة التي كانت تجد حبا واهتماما داخل المساجد فقط لذا راح يقول دائما أن نمو الأمة في المستقبل يتوقف على تعايشها اليومي وتجاوز التقليدية، وحذر في خطاب القاه عام 1957 من قتل السود في الجنوب من قبل العنصريين البيض والتمييز بينهم في الشمال من قبل أصحاب الأعمال وأن الشارع سوف يشهد من الآن وصاعدا تغييرات كثيرة على يديه مما حدا بمكتب التحقيقات الفيدرالي ودائرة الشرطة في نيويورك من تتبع حركاته ووضع عملاء سريين داخل حركة الأمة .
جاء أول تفاقم للإنقسام بين مالكولم إكس ومحمد عام 1962 عندما قتل رونالد ستوكس وهو مسلم أعزل كان صديقا لمالكولم على يد رجال الشرطة في لوس انجليس في ساحة لانتظار السيارات، عندها أراد إكس الانتقام وهي الخطوة التي اثارت غضب محمد وحث ضدها، أما الثانية والتي شكلت أكثر خطورة جاءت في أعقاب اغتيال الرئيس كيندي الذي حاول مالكولم إثرها القاء اللوم على العنف العسكري الأمريكي في الخارج، وأعرب عن اعتقاده بأن السلطات سترد على المسلمين السود لاسيما في السجون التي يقبعون خلفها، مما أدى الى الانقسام بينهما محاولا بعد قطيعته لحركة أمة الاسلام السعي لإيجاد أرضية مشتركة بينه وبين زعماء الحقوق المدنية، لكنه لم يوفق بسبب التصريحات المتشنجة وهم لايريدون الإنضمام تحت ذريعة هذا العنف وبقيادة مسلم يقود حملة أشبه بالصليبية - كما يعبر مؤلف الكتاب - من أجل المساواة .
بدأ مالكولم بالعمل على كتابة سيرته الذاتية بمساعدة هالي اليكس وهو واحد من الكتاب السود القلائل الذي اقترب منه وكتب عن نضاله في مجالات القانون والطب والصحافة والتدريس الجامعي والخدمات المصرفية والمالية وغيرها الكثير التي كان من الصعب على الأمريكيين السود اختراقها في ظل ذلك التمييز العنصري من البيض وعلى الرغم من تهديدات القتل التي واجهته وعائلته فإن مانينغ ماربل أغفل ذلك في كتابه ولم يقل لنا ما يكفي عن عائلة مالكولم في السنوات التي تلت اغتياله .
لقد عانت هذه العائلة الكثير من الألم فقد اتهمت واحدة من بنات مالكولم عام 1995 بتعيين رجل لضرب وقتل لويس فرقان الذي وقف الى جانب محمد اثناء حادث الاغتيال الذي وقع لأبيها، فرقان كان يشكل آنذاك ثقلا سياسيا بين جماهير السود، لكن التهمة سقطت عنها اثناء محاكمتها، وتوفيت أرملة مالكولم بيتي شاباز عام 1997، ولحقت بعدئذ اضرار في بيت العائلة الذي سكنه حفيده نتيجة لإضرام النار به ولم يتعرف وقتها على الجاني .
كتاب مانينغ ماربل " حياة من الإبداع : مالكولم إكس " جاء اكثر ثراءا وقوة من كتب عديدة صدرت في السنوات القليلة الماضية، فهو يجمع بين السيرة الذاتية والتعليق السياسي والبحث عن الجريمة، انه عمل كبير لرجل مات من أجل الحرية وما كان يعتقده من أفكار .
* فسر مالكولم الإسم الذي اختاره لنفسه إكس انه يرمز لما كان عليه واصبح، كما يعني في اللغة المجهول وغير معلوم الأصل، وبما أن السود في أمريكا منفصلون عن أصولهم وجذورهم فقد فضل مالكولم استخدام إكس على اللقب الذي منح لأجداده من قبل مالكيهم بعد جلبهم من أفريقيا الى أمريكا كعبيد وهو لقب ليتل ، ولنفس الأسباب قام العبيد من اعضاء حركة " أمة الإسلام " بتغيير ألقابهم الى إكس لاقتناعهم بآراء مالكولم .
فيل هايكود
صحيفة / الواشنطن بوست

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved