العائلة المهاجرة وتصادم الثقافات

2014-10-18
يسرني المشاركة في العديد من الملاحظات والتحليلات لمجموعة كبيرة من الظواهر التي تشترك فيها الكثير من بلدان
المهجر، والتي تخص وضع المهاجرين من الناحية الاجتماعية، الثقافية، النفسية، وكذلك عملية الاندماج والتأقلم حينما تتعلق تلك المسائل بالعلاقة المنتظرة من عملية الانسجام الثقافي بين العديد من الاجيال داخل العائلة المهاجرة او داخل المجتمع الجديد والثقافة الجديدة.
من خلال خبرتي في العمل مع المهاجرين، بالإضافة الى العديد من الدراسات في مجال الطب الاجتماعي والصحة العامة، والتي يشترك العديد منها في غوتنبرغ _السويد. في ان هناك تفاوت كبير في الثقافات بين غالبية المجاميع المهاجرة وثقافة الاكثرية في بلدان المهجر، والتي يتعذر فيها التقارب حتى الى اجيال متعاقبة ولمدة تطول بهذا القدر او ذاك بالنسبة للمهاجر.
كما لاحظت ان من اكثر المواضيع مثيرة للجدل بين المجاميع المهاجرة خاصة من الشرق الاوسط وشمال افريقيا، باعتبارها الاقرب لنا من الناحية الاجتماعية والثقافية، هي الفهم المتفاوت للثقافة بين الاجيال داخل العائلة المهاجرة، الذي
بدوره يؤدي في اغلب الاحيان الى الصدام والصراع بين الاباء والابناء للوصول الى صيغة من التقارب لحل هذه
الازمة بسلام . أن هذه الملاحظات والتحليلات في اغلبها مستنبطة من خلال وضع المهاجرين في بلدان اوربا وامريكا وكندا مثلا، وقد لا تجد مكانا في بلدان أخرى في العالم حيث يصل عدد المهاجرين او المنتقلين من مكان الى اخر في العالم الى اكثر
من 520 مليون شخص، خاصة في افريقيا وأسيا وغيرها من البلدان في العالم.
كما أني اعمل كمترجم، مما أتاح لي الفرصة للتعرف بشكل أكثر مباشرةً للعديد من الأراء ووجهات النظر أو لنقل
المعانات التي يطرحها الاباء في مثل هذا الصراع داخل العائلة المهاجرة، والبعض منهم يستغيث في ايجاد حلول لمثل
هذا الصراع وهذه المعانات، والتي في بعضها تؤدي الى حالات نفسية ومرضية تحتاج الى التفحص والمعالجة.
كما أني لا أريد تعميم وجهة نظري وتحليلاتي لهذا الموضوع الشائك والصعب في تشعباته وتأثيراته الاجتماعية والفلسفية و النفسية, فبأعتقادي أن هذا الموضوع يتحمل العديد من الانطباعات والتحليلات، فليس هناك قواعد ثابتة في مثل هذه المواضيع و خاصة اذا ما ارتبطت بالتقدم العلمي والثقافي المتسارع على مستوى العالم والشعوب. لذلك ارى ان الباب مفتوح على مصراعيه في ابداء الرأي ووجهات النظر في هذا الموضوع العلمي والحيوي والذي يهم قطاعات واسعة من الناس في كافة انحاء العالم.
 
يبدأ الصراع داخل العائلة المهاجرة منذ استقرارها النوعي في بلد المهجر خاصة البلدان المتقدمة، كاوربا مثلا(، وهذه
البداية في الصراع، تبدأ بتغير الادوار داخل العائلة المهاجرة، فالعائلة عادة متكونة من.الأب الذي له الدور القيادي، في القرار، التوجيه، وحتى مصير ومستقبل أفراد العائلة، وهذا بحكم الموروث الاقتصادي والاجتماعي والقانوني في بعض البلدان. فيرى أغلبية الرجال في المجتمع الجديد انهم قد فقدوا موقعهم في القرار داخل العائلة، أي اصبح الاب كأي فرد أخر داخل العائلة له حقوقه القانونية والاجتماعية المناطة به بموجب المتغيرات الجديدة. فالسؤال هو، هل الاب راض عن هذا التغيير؟
الام دورها الرئيسي  داخل العائلة هو في تنظيم وترسيخ نظام الاسرة الاجتماعي ورعاية اعضاء الاسرة داخلها والى
حد ما خارج الاسرة بالاستشارة مع الاب، خاصة بالقضايا المصيرية التي تهم مستقبل الاطفال، العلاقات الاجتماعية و
الدخول الى سوق العمل. أما في بلد المهجر شعرت المرأة بفسحة من الحرية الشخصية تجاوزت الجو المنزلي، وأصبح
لزاما عليها في تغيير النمط القديم والبدء في الدخول الى المحيط الجديد الذي قد يلزمها في بعض الفعاليات الاجتماعية و
الاقتصادية داخل الاسرة وخارجها، مثلا الزامية العمل, تعلم اللغة والقوانين المحلية، الثقة بالنفس وامكانية التعامل مع
المحيط الجديد ....الخ. فهل الام قادرة على التعامل مع المتغيرات الجديدة، وهل لديها الادوات اللازمة للاستعداد النفسي
والاجتماعي لتجاوز هذا التحد بسلام؟
اما دور الابناء فيقتصر في الاجتهاد بما يناط لهم من مهام داخل او خارج العائلة، وفي اغلبها بتوجيه من الاب، أي ليس
للابناء فرصة في أغلب الاحيان في مناقشة او ابداء الرأي في العديد من القرارات التي تتخذها العائلة بما فيها مستقبل
الابناء أنفسهم، مثلا الزواج، العمل، الدراسة...الخ. أما بلدان المهجر أي في المجتمع الجديد يصبح الابناء لديهم مفاتيح
المجتمع الجديد بحكم القوانين التي تراعي الابناء كوحدة مستقلة بذاتها داخل الجو العائلى وداخل فعاليات المجتمع الجديد.
بالاضافة الى القدرة والطاقة لدى هذه الفئة في المجتمع لتعلم مفردات الحياة اليومية وامكانياتهم الكبيرة في عملية
الاندماج في المجتمع الجديد اذا ما قورنت بآباءهم، حيث يصبحون  في كثير من الاحيان قياديين في العائلة، لأنهم
يتقنون اللغة بشكل سريع، يتعلمون القوانين وأصول التعامل اليومي مع المجتمع الجديد بالاضافة الى التخلص من هاجس
الخوف والتردد في عملية الاندماج مع الاغلبية. واسؤال هل سيكون لدى هؤلاء الابناء امكانية التواصل مع  ثقافة الآباء و حل
المعضلات بأمان؟
من هنا يمكن للادوار التي أشرنا اليها في التغير حسب الجو العائلي السائد، والفهم الصحيح لهذه المتغيرات عند الاباء و
الابناء على حد سواء.
من خلال دراسة سريعة أجريتها عام 1919 في السويد مع الجالية المتحدثة باللغة العربية، توصلت الى ( وجهة نظر
شخصية ) هي ان هنالك ثلاثة أجيال يمكن ان يعيشوا تحت سقف واحد، وهم كالتالي.
الجيل الاول الذ يمتاز  في انهم ولدوا في بلدانهم ، مدركين لهويتهم الثقافية والاجتماعية، مدركين لمسؤولياتهم في المجتمع و كذلك مدركين لاسباب تواجدهم في بلدان المهجر.
الجيل الثاني ويمتاز  في أنهم ولدوا خارج بلدان المهجر او في بلدانهم الاصلية، يحملون هويتهم الاجتماعية مع خليط من ثقافة بلدان المهجر، ويعانون عادة من تناقضات في فهم عملية التزاوج بين الثقافات المختلفة في المجتمع الجديد.
الجيل الثالث ولد في بلد المهجر، أي انهم ينتمون الى ثقافة الاكثرية، لديهم بعض التساؤلات عن ثقافة الابوين والعادات
التي تختلف الى حد ما مع ثقافة الاكثرية. أن هذا الجيل هو الذي يشكل منطقة التصادم الرئيسية داخل العائلة المهاجرة،
وهو مصدر القلق والتوجس من المخاطر التي قد تؤدي الى صراع حاد بين الاجيال لا تحمد عقباه في مستقبل افرادها.
من خلال احدى الدراسات أجريتُ مقابلة مع عينات عشوائية  52 أب و أم من المتحدثين اللغة بالعربية، ومن خلال
اللقاءات المتكررة جماعية أو الفردية، دونت بعض الملاحظات العامة التي تصف الى حد ما بعض سلوكيات هؤلاء
الاباء، أخذين بنظر الاعتبار العمر، الخلفية الثقافية والفكرية، مستوى التعليم والموقع الاجتماعي وغيرها والتي تعطينا
حجم التفاوت في عملية التغيير والتطور لدي هؤلاء الآباء في المجتمع الجديد، والتفاوت فيما بينهم حسب المعطيات
السالفة. من هذه الملاحظات.
* صعوبة في امكانياتهم في تعلم لغة الاكثرية واستيعاب مفرداتها.
* صعوبة التأقلم للحياة الاجتماعية والنفسية والخروج الى المجتمع الجديد.
* امكانياتهم في العمل او المواصلة واكتساب العلوم ضعيفة.
* أغلبهم يعاني من اوضاع نفسية سلبية نتيجة للخلفية الصعبة في مراحل الهجرة في تاريخ حياتهم.
* لديهم نظرة سوداوية للحياة العامة والاستمرار في عملية التطور الشخصي والعائلي داخل المجتمع الجديد.
من الملاحظ أن اغلبية الاباء بحاجة الى الكثير من المعلومات عن العديد من مناطق التغيير في المجتمع الجديد، لتأهيلهم
في رفع امكانياتهم في ادارة الصراع الثقافي والاجتماعي ليس فقط في البيت وانما في عموم المتغيرات وعملية التطور
الاجتماعي والعلمي التي تدور في المجتمع الجديد، وتكوين آلية تعتمد على المعطيات العلمية في عملية التحدي لخوض
مثل هذا الصراع أي التناقضات الحاصلة مع أفراد العائلة او الاختلافات الثقافية خارج الاسرة الواحدة والتوصل الى
الحلول او التوافقات بين الاجيال.
كما لاحظت ان أغلبية الاباء تواقين لخوض النقاش في هذا الموضوع بالذات ولأسباب عديدة، منها المعانات اليومية
للآباء من هذه التناقضات، التخوف من مستقبل هذه العلاقة مع الابناء، وانتظارهم للآخر في حل مشاكلهم، الهموم المشتركة للأغلبية وتقاسم المعانات مع ألاصحاب ممن يعانون من المشاكل . واعتبار هذه اللقاءات متنفس جيد
للاباء في التقليل من معاناتهم المشتركة ....و غيرها من الاسباب.
سوف أعاود الكتابة لاحقا عن هذا الموضوع، ولكن أنتظر من أصحاب التجربة او الذين لديهم الرغبة في المساهمة في
ابداء الرأي، النقد الموضوعي والعلمي لهذا الموضوع الحيوي والذي يهم جمهرة واسعة من الناس في جميع أنحاء
العالم. وأرى ان غنى هذا الموضوع في تبادل الاراء وابداء وجهات النظر المختلفة، التي تضفي على هذا الموضوع الحيوية
وسعة الاستيعاب لمختلف الاراء والمفاهيم التي تخص التنوع في الثقافات. أرحب شخصيا بكل مقترح و أراها اضافة
طيبة للتوصل الى بعض الصيغ العملية في هذا الموضوع للتخفيف من معاناة العديدين من جراء الصراعات المختلفة في
حياتهم الاسرية ومستقبلها في بلدان المهجر.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved