في هذا المقال سوف القي الضوء بشكل عميق نوعا ما على عملية التغيير التي تصاحب المهاجر في بلد
المهجر
أولاً، ما هي الأزمات التي سوف يمر بها المهاجر اثناء عملية التغيير في المجتمع الجديد
ثانيا، من الذي سوف يجتاز سلم التطور في خضم هذه المتغيرات وما هي أسباب ذلك.
الهجرة، ليست فقط الحركة الفيزياوية للبشر من منطقة الى اخرى، وانما يصاحبها انتقال الثقافات، العادات
والتقاليد الاجتماعية والنفسية والتي تنتقل مع هؤلاء البشر الى بلدان المهجر التي سوف يستقرون بها مؤقتا
او دائما. كما ان المهاجرين بوجودهم في المجتمع الجديد، سوف يؤثرون ويتأثرون بالمتغيرات الثقافية
للمجتمع الجديد، اي بمعنى أخر يكونون متأهبين للدخول في خضم التطور الإجتماعي الحاصل في هذا
المجتمع. وعملية التأهيل هذه سوف تعتمد على العديد من المؤثرات الشخصية و الإجتماعية والنفسية للفرد
المهاجر او للمجموعة الموجودة في بلد الهجرة، وسوف نأتي بتفاصيل وأمثلة توضح هذه المؤثرات.
عملية التطور للفرد في المجتمع.
تعتبر هذه العملية طبيعية في كل المجتمعات، اي ان كل فرد في المجتمع ، وتبعا للمتغيرات المستمرة في
الجوانب الإجتماعية والإقتصادية والنفسية في المجتمع، سوف تؤثر هذه المتغيرات في مسيرة الفرد و
تطوره ووصوله الى أعلى سلم التطور الطبيعي في مسيرته الإجتماعية والإقتصادية داخل المجتمع. معنى
ذلك أن كل فرد لابد ان يمر بالمراحل الموجودة في سلم المتغيرات الإجتماعية والنفسية، والتي يصادفها
اثناء مسيرته الطبيعية في المجتمع، وهذه الدورة عادة تشمل جميع الإفراد داخل المجتمع الواحد. يمكننا
التفسير و تبيان هذه المؤثرات االجتماعية في عملية التغيير في البيان التالي.

الخط البياني أعاله يمثل المراحل الأربعة الطبيعية التي يمر بها الفرد في المجتمع ، وهي الإستقرار، الإزمة،
التغيير، ومن ثم التطور. هذا يعني ان كل فرد في المجتمع لا بد وان يمر بهذه المراحل حتى يتسنى له ان
يكون جزءأ من عملية التطور في المجتمع المنتمي اليه، وكما قلنا بان ذلك هو تطور طبيعي، والجميع ملزم
في خوض غماره بأي شكل من الإشكال المتاحة له في المجتمع المنتمي اليه.
لكن لو نظرنا بشكل دقيق في حالة الفرد المهاجر، اي الفرد القادم الى بلد المهجر, فهو هاجر من موطنه
الإصلي لأسباب قد تختلف من شخص الى اخر ولكنها في اعتقادي تصب في خانة واحدة هي)الأزمة( أي
ان المهاجر المعني قد هاجر لأسباب متعددة ) الحروب الداخلية او الإقليمية، الحالة الإقتصادية المتردية،
التمييز العرقي والديني والجنسي...الخ ( وكل هذه الأسباب أي اسباب الهجرة تعني شيئأ واحدا هو الأزمة
التي أدت به الى ترك بلده الأصلي والمجئ الى بلد الهجرة والى المجتمع والثقافة الجديدة.
السؤال هنا أين سيكون موقع هؤلاء المهاجرين في سلم التغيير الطبيعي الذي اشرنا اليه ؟
باعتقادي سوف يدخل الوافد الجديد الى هذا المجتمع المحال في منطقة الأزمة، بالرغم مما يصاحبها في
الفترة الأولى من استقرار مؤقت جدا ) هنا لا تتعدى السكن، الغذاء، الرعاية الصحية، الشعور بالأمان و
غيرها ،( حتى تبدأ المعاناة مجددا ولكن اسباب هذه المعاناة والصعوبات التي سوف تواجه المهاجر
ستكون من نوع آخر داخل مجتمع الهجرة. أي بمعنى آخر ، ان المهاجر الفار من بلده او النازح منه بسبب الأزمة التي يمر بها هو شخصيا، سوف تنتقل قسم من هذه الأسباب مع المهاجر الى بلد الهجرة، اضافة الى الصعوبات الجديدة التي سوف يواجهها .
ان العديد من الدراسات التي تهتم بالتأثيرات السايكولوجية للمهاجر، بظهور العديد من المشاكل الصحية الفيزيائية لديهم
بحيث اصبحت تعيق الأداء الجيد والإيجابي في عملية التطور الإجتماعي المطلوبة لتجاوز الصعوبات، و
يبقى في عملية البحث عن الأدوات والطرق الصحيحة للوصول الى الهدف في عملية التأقلم في متطلبات
الحياة الجديدة في هذا المجتمع الغريب عنه في كل مناطق الثقافة ومتغيراتها وعملية التطور الإجتماعي .
صعوبات جديد ، أ زمة جديد عندما يستقر المهاجر في بلد ما، عادة يحتاج الى فترة زمنية تطول ام تقصر لتخفيف معاناته التي حملها اثناء ترحاله وسببت له العديد من المعانات الجسدية والنفسية، قد يتصور معظم هؤلاء ان فترة الأزمة قد ولى
زمنها وهاهنا بدأت فترة الإستقرار الإجتماعي والإلقتصادي والنفسي في هذا البلد. لكنها لا تدوم الّ فترة معينة
حتى تبدأ المعانات والصعوبات تكثر وتتطور حسب الشخص او المجموعة المهاجرة، لكنها سوف تكون
معاناة و صعوبات من نوع أخر وأتطرق هنا الى بعض من الأمثلة.
- اللغة
ليس من السهل تعلم لغة جديدة، فتعلم اللغة لها معاييرها وبعض المواصفات التي يجب على المتلقي ان
يوفرها حتى يكون مؤهال في تعلم اللغة الجديدة و أي المستويات التي يحتاجها في ايصاله الى هدفه أو حاجته
من اللغة، التحصيل العلمي والدراسي، معرفته بلغته الأُم بشكل جيد، معرفته بلغات أخرى تدعم تعلمه اللغة
الجديدة، تعلم الكلام، الكتابة...الخ من المؤهلات التي تمكنه من اتقان اللغة الجديدة، مع ذلك فليس الجميع
يمتلك مثل هذه الإمكانيات، وبالتالي فان العديد من المهاجرين وخاصة من الجيل الأول اي اللذين قدِموا الى
بلدان المهجر وهم في سن متقدمة لا يمكنهم تعلم لغة أخرى.في حين يتعلم الجيل الثاني والثالث اللغة
بسهولة و انسيابية مع وجودهم بالمدرسة او امكانياتهم الجيدة في اكتساب المعارف العامة والإلختالط مع
السكان الأصليين، مما يتيح لهم فرصة تعلم اللغة بشكل سريع ومتقن.
العمل، معظم القادمين الجدد في بلد المهجر يحتاجون الى مؤهلات جديدة في الدخول الى سوق العمل،
فالتحصيل الدراسي والأكاديمي الذي يكفي في معظم الأحيان لإيجاد عمل مناسب للمهنة التي بجعبته من بلده
الأصلي، فعليه معادلة شهاداته الأكاديمية واستكمال ما هو مطلوب من مواد علمية، الدخول في منافسة في
سوق العمل، معرفة قوانين العمل للبلد، عملية التأهيل المستمرة في مجال العمل، وغيرها الكثير. العديد من
هذه الشريحة الإجتماعية عادة يعانون من البطالة او يكونون مضطرين في تغيير مهنهم بما يتناسب مع
متطلبات سوق العمل.
أما الأيدي العاملة الغير أكاديمية أي أصحاب المهن ذوي التعليم المتدني او المعدوم (، هم الآخرين سوف
يصطدمون بالكثير من الصعوبات على صعيد المهنة وارتباطها بالتطور التكنلوجي ) استخدام الكومبيوتر
مثلاً اوالحسابات التي يتطلبها العمل ...الخ (، مما تحول دون دخول العديد منهم الى سوق العمل فيعانون من
البطالة, وبالتلي تردي وضعهم الإلقتصادي و الإجتماعي والنفسي جرآء ذلك. في احدى الدراسات عن النساء
من الشرق الأوسط والبطالة، لاحظنا ان الأكاديميات والنساء الاتي أتين من سوق العمل في بلدانهن اكثر
معاناة في بلدان المهجر عندما تخص المسألة البطالة وعدم ايجاد شغل يتناسب مع امكانياتهن العلمية و
العملية، بينما تتأثر كثيرا من النساء اللواتي لم يدخلن سوق العمل في بلدانهن عندما لا يحصلن على عمل ما ,
يشعرن فقط في تغير المكان، أي ( من المطبخ الى المطبخ ) .
- الثقافة
ان مصطلح الثقافة واسع جدا، ويشمل مجالات واسعة من مناطق المجتمع، ولا يمكن تحديد ثقافة
بعينها وبمواصفات معينة بدون المرحلة المعينة والوقت المعين لتلك الثقافة، أي بمعنى اخر ان الثقافة هي
الأُخرى متحركة ومتغيرة لتعدد المؤثرات المختلفة داخل المجتمع، ولا أريد ان أخوض في هذا الموضوع
المتشعب ولكن بالنسبة لي، الثقافة هي نمط الحياة للشخص وللمجتمع المعين وفي الوقت المعين، يتغير،
يتأثر، يتطور وفق الكثير من المؤثرات الموضوعية والذاتية للمجتمع. هناك الكثير من التنوع في اعطاء
تعريف للثقافة ومن منطلق الأفراد او الجماعات داخل المجتمع الواحد. أذن دخول العديد من انماط الحياة
الفردية والجماعية من قبل العديد من المهاجرين الى المجتمع الجديد والى الثقافة الجديدة يحتاج الى التحليل
والتدقيق من قبل الأفراد والمجموعات المهاجرة لاحتواء كل المتغيرات في ثقافة الأغلبية حتى يتسنى لهم
العثور على نمط الحياة المناسب لاستمرارهم في التغيير والتطور بشكل مسالم في خضم الصراعات الجديدة
التي سوف يواجهونها في الثقافة الجديدة. في مقال لاحق سوف اتعرض الى هذه الجدلية
من هذه الصراعات هو التباين بين الأجيال داخل العائلة المهاجرة وهي نتيجة موضوعية للتناقض والتباين
في استيعاب مفردات الثقافة للاغلبية داخل المجتمع الجديد، مما يؤدي الى مصادمات داخلية بين أفراد العائلة
المهاجرة قد لا تحمد عقباها في مستقبل هؤلاء الأفراد اذا لم تحل بتسالم و بتوافق الأطراف
ومن سوف يلي في سلم التطور من الأجيال في هذا السياق؟
عندما قسمنا المهاجرين الى ثلاثة أجيال، كان التقسيم من منطلق ترسيخ الهوية الثقافية لهؤالء الأجيال وموقعهم
في اللوحة الإجتماعية للمجتمع، لذلك فان عملية التغيير في منحنى التطور الطبيعي السالف الذكر قريب
المنال للجيل القادر على حل وتجاوز الموانع التي تواجه المهاجر كأفراد او مجاميع في اللغة، العمل، الثقافة
.. وغيرها.
فالجيل الثالث لديه الإمكانيات الكبيرة في تطويع امكانياتهم لتعلم اللغة الجديدة ومعرفة ثقافة الأكثرية اذا لم
نقل هم بشكل طبيعي جزء من هذه الثقافة وعملية التطور في المجتمع تنطبق عليهم بشكل تلقائي، وأسباب
ذلك كثيرة و متنوعة وخاصة من خلال سهولة عملية الإندماج ومعرفة القوانين والأعراف والتقاليد في
المجتمع المعين , أنهم لا يواجهون الكثير من التعقيدات للوصول الى سلم التطور المقصود في عملية التغيير
الإجتماعية والنفسية. لهذه الأسباب وغيرها نراهم في اول المندفعين الى هذا المنحنى.
أما الجيل الثاني فلديه امكانيات جيدة في النضال من أجل الوصول الى الهدف المرجو من عملية التغيير و
التطور في المجتمع بالرغم من العديد من القواطع في مسيرتهم الإجتماعية والنفسية وفي عملية التأقلم للثقافة
الجديدة, حيث تدخل في هذا الجيل مقومات عديدة تحدد بعض ملامح الإمكانيات المتاحة لديه في
الوصول الى سلم التطور مثل العمر في مجيئهم الى بلد المهجر, مدى اكتسابهم لثقافة الألم, حل لغز التوافق
بين عدة ثقافات في عملية الإندماج ، لكن باعتقادي أن الأغلبية منهم يصل الى سلم التغيير والتطور بامان.
الجيل الأول يواجه صعوبات جدية في عملية التغيير في المجتمع الجديد، يحتاج الى العديد من المقومات
الذاتية والموضوعية التي عليه القيام بجهد استثنائي لتجاوزها بسلام. ان رسوخ تقاليد وعادات ثقافة الألم
تكون طاغية على كل تصرفاته الإجتماعية والنفسية أثناء عملية التغيير. فتقع على عاتقه الكثير من الأمور في
ثقافة الأكثرية لمعرفتها واتقان مداخل للمجتمع الجديد، تواجه هذا الجيل صعوبات كثيرة ومهمة في
عملية الإندماج والتأقلم في الحياة الجديدة، والتناغم الإيجابي مع المتغيرات اليومية التي تواجهه، واستيعاب
مفاصلها بالإتجاه الإيجابي لعملية التغيير والتطور الإجتماعي. لهذا فان الوصول الى سلم التطور يقتصر
على حفنة صغيرة من هذا الجيل، حتى لو تسنى لهم تجاوز معضلات وعوائق كبيرة مما يصادفهم في عملية
التغيير الإجتماعي، لكن باعتقادي تبقي أيضا العديد من الحواجز النفسية في تقبل العديد من المتغيرات داخل
المجتمع وتكون عائق في الوصول تماما و بأمان الى سلم التطور.
هذه صورة عامة في عملية التغير والتطور الإجتماعي و لا يعني أن وجود حالات لها بعض
الخصوصيات في جميع الأجيال التي ذكرناها سابقا فمثال التحصيل العلمي، المهنة وعملية الدخول في سوق
العمل، الإمكانيات المتاحة في اتقان اللغة و مداخلها، و التاثيرات الشخصية في استيعاب ثقافة المجتمع
الجديد، و هذه تختلف مقوماتها من شخص لاخر ومن مجموعة الى أخرى.
لو تمعّنا أكثر في تحليلنا لموقع المهاجرين في بلد المهجر، لالحظنا ان هذه المتغيرات التي تكاد تصادفنا
يوميا هي جزء مهم من عملية فهمنا لموقعنا الإجتماعي في المجتمع الجديد والثقافة الجديدة، وهذه المعلومات
ليس الاّ بعض التوضيحات التي قد تساعد المهاجر في تلمس الحقائق الموجودة على أرض الواقع وقد تبعده
عن العديد من التقديرات الغير واقعية لمثل هذا التطور داخل حركة المجتمع المتنوعة، حيث الفرد هو في
المركز في خضم هذه المتغيرات. الإسراع في فهم حقيقي لهذا الواقع بكل تنوعاته و ملابساته سوف يسرع
عملية التأقلم والإندماج في المجتمع للوصول الى الغاية المنشودة في عملية التطور الإجتماعي والنفسي في
المجتمع والعكس سيكون في عملية تأخير او قد تكون عملية استحالة في الوصول الى سلم التطور حتى على المدى البعيد في التواصل داخل المجتمع والثقافة الجديدتين. هذا ما نشاهده كأمثلة في العديد من دول المهجر
والتي تضع العديد من المستلزمات الضرورية في مساعدة المهاجر في عملية التطور الإجتماعي ولكن
الكثير يبقى في حلقة ضيقة لا يمكنه تجاوزها للاسباب التي أشرنا لها سابقا لذلك الا تزال بعض المناطق في
بعض دول المهجر تسمى باسم الأصول المهاجرة مثل جاينا تاون في لندن , كندا ، و مناطق خاصة الالتينو
في أمريكا و غيرها الكثير من الأمثلة في أنحاء العالم.
أنا كمهاجر قد اكون قد مررت بمعظم هذه المراحل التي وضحنا الكثير منها في هذا المقال البسيط وباعتقادي
ان هذا ملخص لموضوعة تتحمل العديد من الآراء والأمثلة التي تصادف كل واحد منا والرجوع الى تأريخ
الهجرة لكل فرد لاحظنا الكثير من المفارقات المتنوعة بتنوع الأفراد وتنوع الغايات و طرق التي يسلكها
المهاجر للوصول الى غايته. يعتبر هذا التنوع جزء من حياة المهاجر الجديدة في بلد المهجر فتؤثر في تحديد
النوعية و الصورة العامة في عملية التغيير الإجتماعي والنفسي في المجتمع وفي العديد من الحالات تحدد
مستقبل المهاجر وموقعه في عملية التطور التي يخوضها في تحديد مستقبل المهاجر المعني.
هذه التجارب والمغامرات التي يمر بها المهاجر في مسيرته في الهجرة والتنقل، قد تزيدته خبرة وتجربة
في هذا المجال المهم يمكن الإستفادة منها في تحليلات و تشخيصات اكثر دقة للمتغيرات الشخصية التي يمر
بها المهاجر في حياته في المجتمع الجديد، كما انها ستكون اضافة مهمة للافكار الواردة من قبل العديد
من الأخصائيين الإجتماعيين والنفسانيين الذين يهمهم تشخيص العوامل والأسباب المتنوعة في مسألة
الهجرة والمهاجر وكيفية التعامل مع مثل هذه الحالات بشكل موضوعي يسهم في تطور المساهمة الفردية و
الجماعية لمجاميع المهاجرين على الصعيدين الثقافي والنفسي في عملية التطور الإجتماعي في عموم
المجتمع.
لكل منا تجربة في هذا المضمار قد تساهم في رفد هذا المضوع و تنضجه اكثر ) أكتب، وأرسل على العنوان
الألكتروني أدناه، فأنا قارئ جيد.
)kadhim18@hotmail.com( موفق المعروف

