الأبواب حكمة الاستئذان , تقولها الطرقات المتتالية , وصرير المفاصل: لا تدخلوا البيوت إلا من أبوابها.
الإنسان البيت الأول على هذه الأرض, خلقه الله, وجعله في أحسن تقويم, دار عامرة بالروح, ودار خراب إنْْ تسلطت النفس الأمارة بالسوء, أضاءها بالعقل وأطفأ نورها بالجهل.
جلدٌ حدودُ البيت أقام عليه الثياب سورا تقيه عدوان الحرّ والبرد وتدخل عليه ضيوف الاعتدال . فمٌ قفله شفتان ومفتاحه لسان قد يذهب بصاحبه إنْ وقع في يد الحماقة والتعجل, ويصونه إنْ حفظته يد التروي والتفكر, عينٌ إنْ غضتْ أراحتْ القلب وإنْ بصرتْ أرهقتْ النفس القلقة, أذنٌ كباب على شارع يطرقه الكثير والاستجابة بين, بين فمنْ تخيّر أهلّ عليه ضيفا حلو المعشر ومن ترك الباب على الغارب أصبح بيته كالإسطبل.
قاس الإنسان على نفسه , فبنى بيته خلية, خلية وجعله بنوافذ وأبواب فكان الباب منه كالفم وكانت الكلمة كالمفتاح .
الأبواب تعرف بأصحاب البيت . بابُ خير لا يرجع الواقف فيه إلا مكتفيا شاكرا,بابُ الأمان, الصداقة والجيرة ,بابُ بخل يغلق كالصفعة على الخد, باب حب يكاد الحبيب يزوي أمامه وكأنه الفجر ينتظر منه الصباح , إنْ تفتق عن وجه المحبوب كفاه الله سؤال القلوب,باب الفراق مستهله الدمع ,خشبه البعاد ,مصيره أن تلعب به الريح, بابُ اللقاء نظرة كهبوب النسيم يلقح أزهار البسمة فترمي تويجات الخجل وتثمر الكلمة, باب الحقد , الحسد تراه يفتح ويغلق ككور النار يحرق صاحبه وغيره فلا سبيل لإخماده إلا بتعويذة (أعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد).
والبيت صار بيوتا, والبيوت أصبحت مدنا, وللمدن أبواب, أبواب المجد واسعة عالية مزينة بالرياحين والتضحية لذلك رفعت البوابات للمنتصرين ليعبروا من تحتها مكللين بالغار.
المدينة شرفها بواباتها إنْ كانت أسوارها حصينة منيعة تراجع عنها المهاجمون.
إنْ كانت ضعيفة خرقها الأعداء ودخلوا من تحت أقواس قناطرها على ظهور سكانها فغدت أبواب ذل صغيرة واطئة خرقها العار والنفوس المهشمة حاكمها الاستبداد بالعباد بُناتها المحتلون الظالمون المتجبرون سكانها الجرذان والأفاعي ,لتهدمْ هذه الأبواب وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق . فعرفت المدن ببواباتها وصارت تحمل تاريخها ومناسباتها وصفاتها.
الحياة أبواب, وأجمل أبوابها العلم ,وباب العلم الكتاب, يقودك إلى بحار المعرفة بآلاف السفن,أما أحقرها فباب الجهل, وقفله الأمية نعامة تغرق رأسها بالوحل,قوامها باب العدل, باب المحكمة إنْ صلح قاضيها وأدرك أنّ أحكامه أبواب ستقوده إلى حسن المآب في جنة عرضها السموات والأرض أو أبواب ظلم إنْ أخذته العزة بالإثم و طفف في الميزان فله الدرك الأسفل من جهنم خالد فيها أبدا ,مسيرتها العمل وقرع أبواب الرزق من زراعة وتجارة وصناعة , غذاؤها العلم والأدب والأخلاق, فقرُ دمها, باب الهجرة, فقر وذل وفقدان أمل .
يتهتك بابها بغياب القانون وتفشي سوس الطمع, نجارها الضمير والفضيلة .
وأسمى هذه الأبواب باب الله الذي لايغلق أبدا. وهب الإنسان السمع ,البصر ,الفؤاد أبوابه على هذه الحياة ,وجعله قائما عليها ليتخير منْ يدخل منها وما يُخرجه. فإن سمع فليسمع حديث الحكمة ,وإنْ نظر فلينظر الحق في سماواته وأرضه وليفتح باب قلبه للإيمان فيجلس الخشوع على عرش عقله فيسكنه اليقين ويهجره الشك.