القناص الامريكي ونهاية امريكا

2015-10-04
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/67137395-100c-45a6-bb4c-1b7f25efd9cf.jpeg
" القناص الامريكي" فيلم مقتبس من كتاب يحمل الاسم نفسه، كتبه الجندي الامريكي كرس كايل  Chris Kyleعام 2012 متناولاً فيه سيرته الذاتية .  استقبل الجمهور الامريكي  هذاالفيلم بنشوة عالية . وُصِف كاتبه من قبل الاعلام الامريكي على انه كان "من اعظم الجنود الامريكان المحاربين "  . قوبِلَ  الفيلم بحماس عاصف في الاسبوع الاول من عرضه وحقق ضربة ساحقة في شباك التذاكر،علاوة على ترشيح مخرجه كلنت إستوود Clint Eastwoo لأكثر من جائزة في مهرجان السينما الامريكي ( الأوسكار ) .  جُل  الكتابات النقدية المراوغة التي كتبت عن هذا الفيلم غطت بعض الجوانب غير المهمة  كالنص والتصوير السينمائي . الانطباع السائد كان يتوخى التأكيد على الشخصية الرئيسية ، كايل : " جندي بحري امريكي ورامٍ بارع  – كان بطلاً تراجيدياً . رجل خدم بلاده بشرف في  حرب امريكا مع العراق .
 وٌصِف الفيلم  من قِبل البعض بأنه كان معادياً للحرب" لأنه حاول الكشف عما كان يمر به الجنود الامريكان من صدمات ومعاناة نفسية بعد كل معركة كانوا يخوضونها  في العراق . ويبدو ان المحور المركزي في النقاشات والكتابات  حول هذا الفيلم ظل مفقوداً ، ألا وهو التركيز على الطبيعة الاجرامية للجيش الامريكي ومدى تأثيرها الهدام على حياة الملايين من الابرياء . القناص الامريكي يعزو نتائج ما يمر به افراد قواتهم المسلحة من صدمات  نفسية وعقلية إلى الحروب الخارجية التي تخوضها الولايات المتحدة . ان منح لقب" البطل" لشخص مثل كرس يحملُ في خفاياه مؤشرات التمجيد لصانعي - الحرب  الامريكان، وتقوية  نزعة الانانية وحب الذات الامريكية معتبرين انفسهم امة ذات" خصوصية إستثنائية"، أمة حقيقية، أمة عظيمة، تُعطي لنفسها صلاحيات مطلقة في ان تبدأ الحرب ضد من تشاء، وقت ما تشاء "لصالح امتها"  متجاوزة بذلك القوانين الدولية والاخلاق !! . ومن هذا المنطلق : قتل ما يقارب الاكثر من مليون عراقي منذ الاحتلال العسكري الامريكي لهذا البلد بين الاعوام 2011-2003 تحت ذرائع خادعة منها : " اسلحة الدمار الشامل لصدام حسين" ، قدموا وثائق مزيفة لدعم مزاعمهم، مما يجعل تورط الولايات المتحدة في العراق جريمة كُبرى وحرباً عدوانية . بإيجاز ، يمكن القول ان الولايات المتحدة – كانت العرابة لهذا التدمير الارهابي للعراق . قادة الحكومة الامريكية و قادة البنتاجون، ضمنهم باراك اوباما الرئيس الحالي، يجب ان يحاكموا كمجرمي حرب وفق القوانين الدولية المتفق عليها في محاكمات نورمبرج، للرايخ النازي" . المدهش في الموضوع هو  قوة الدعاية الامريكية في عمليات غسل الدماغ التي تساهم شركات اعلامهم في تمريرها،  لمحو اي وعيٍ أو إدراك أوتساؤل  لمناقشة، القضية المركزية . بدلا من ذلك يقومون بأستهلاك هموم و مشاعر المواطن الامريكي للتعاطف مع : "جنودنا النبلاء " مما يقاسونه من صدمات "  اثناء ادائهم الواجب".      
 "آلية الحرب الامريكية  ستُنهي أُمتَها"
أين هي صيحات العدالة ضد الولايات المتحدة – عرابة الجرائم والإبادة للشعب العراقي ؟ اين هي علائم الندم اوالتكفير ؟ . القادة الامريكان يستمرون في طيرانهم في ارجاء العالم، يحاضرون الاخرين بدعاوى التقوى والاصلاح، لكأنهم  ممثلو الفضيلة  .
قد يكون قانون العدالة غائباً، إلا ان هناك عرفاً حقيقياً قائماً لعدالة الظُلم غائباً في النظام الامريكي . ألية الحرب الامريكية ، عجلة لا تقيدها القوانين الدولية : تحتل دولاً  دون مشروعية، تغتال بطائرات دون طيار على مدى الاسابيع، تدمر امم اخرى وكالةً، بحجة الارهاب كما هو الحال في سوريا واوكرانيا . ولكن، يبدو من الجلي الواضح، ان هذه الآلة العسكرية  تفني مجتمعها، مادياً، نفسياً وأخلاقياً .
 يتغنون بكرس كايل ويسمونه " قناص امريكا المميت " الذي قام بمفرده بقتل اكثر من مائتي عراقي (200)  في سفرات واجبه العسكري الاربع اثناء عمله في العراق . وسواء كان غالبية ضحاياه من " الارهابيين" او ايماناً منه  بحماية حياة الجنود الامريكان الاخرين، الحقيقة تقول : ان كايل كان يقوم بعمل غير مشروع، ضمن ألية حرب إجرامية، ساهمت في تهديم امة بأكملها . واحتفال  الامريكان به " كمقاتل بطل" انما هو إشارة إلى الخراب الاخلاقي الذي ينحدر إليه المجتمع الامريكي  ويبين لنا  كم اصبح العنف متوطناً في  عقلية المواطن الامريكي .  
سقط كايل قتيلا برصاصة  اطلقها عليه احد زملائه  في مرمى التدريب في تكساس . القاتل المزعوم جندي سابق، قيل انه كان يعاني من حالات نفسية وجسدية وعقلية من اصابات سابقة . كايل نفسه، كان احد جنود سلاح المشاة البحرية، تم اعفاؤه من الخدمة بمرتبة شرف، عام 2009 للسبب نفسه : معاناة نفسية  وعصبية إضافة إلى اصابات جسدية مزمنة سابقة . بعد تسريحه من الخدمة، عمل فيما بعد في الادارة البحرية، كمرشد للمرضى من الجنود الذين يعانون من خللٍ عقلي . هناك شئ في علم الامراض الاجتماعية  يقول: ضحايا الصدمات النفسية تُمْكنُ معالجتهم في التغلب على ما يعانون من صدمات بالسماح لهم أطلاق النار من بنادق قتالية في ساحة المرمى .
 تقول الاحصائيات : ينتحر كل يوم 20 من المحاربين القدامى الامريكان بسبب الانهيارات العصبية . أي بمثابة 7000 جندي كل عام، إضافة الى عشرات الالاف من الجنود الامريكيين الذين خدموا في افغانستان والعراق أو في دول اخرى  وإلتزموا الصمت في حقول القتال حول ما كانوا يعانون منه من الاعراض النفسية والعقلية . وتبدأ المصائب بالظهور عند عودتهم : يتجه بعضهم في القيام بأعمال عنف وجرائم ضد المواطنين الاخرين والبعض الاخر يدمرون انفسهم بالخمر والمخدرات وغيرها .... . هناك ارقام اخرى مشابهة تتحدث عن أسر امريكية  هدمت من قبل احبتها " قدامى المحاربين" الذين وجدوا صعوبة في التأقلم على وضعهم  الجديد  في المجتمع، بسبب ما كانوا يعانونه من امراض عقلية وعصبية  .
  التكلفة الاقتصادية للحروب في العراق وافغانستان لوحدها بلغت 6 بلايين دولار -  اي ثلث الديون المتراكمة المعلقة . هذه الحسابات الجزئية  تكشف عن الضريبة  المتمثلة  بالخراب الاجتماعي التام ، نتيجة الحروب : أنعدام التأمين الصحي، تصاعد  الجرائم، الانهيارات النفسية، افراد المجتمع غير المنتجين هم الرأس البارز في جبل الجليد . في حقيقة الأمر، ان المجتمع الامريكي يجلس بشكل غير ملحوظ على قمة " قنبلة موقوتة من" القاذورات" بسبب تجار حربها المجرمين. هنا تتجلى"عدالة" حروب الولايات المتحدة ذات الحصانة الذاتية المطلقة  بلا منازع . إطلاق العنان لرؤساء الولايات المتحدة ان يقرروا ما يشاؤون -  يعني اطلاق سراحهم على دول العالم، الذي بدأ ينقلب بالضد على مجتمعهم  الذي بدأ بالتأكل في عمق جذوره  . قتل الملايين من الناس في القرى النائية والصحارى  دوافعه متماثلة  تماماً في النقمة التي يحملها تجار حربها الصالحون، إتجاه ابناء مجتمعهم الامريكي نفسه ...   . 
قصة كرس كايل لم تكن مجرد قصة عن قناص امريكي سئ الحظ، بل هي رمز للوضع الذي تمر به امريكا بشكل عام . انها جزء من  الخراب المميت المستعصي الذي يكمن في ان غالبية الشعب الامريكي غافل، غير واعٍ لما يتعرض له من انهيار. بمجرد النظر الى المتفرج الغبي الجالس في قاعة السينما، منتشياً بمضغ الذرة المحمصة بصوت عال، مهللاً بنشوة لجرائم القتل الجماعية  التي يرتكبها الجنود على الشاشة، بإعتبارها " بطولة "... يمكننا من هذا المشهد الحكم بالنهاية الحتمية لأمريكا .
..................................................................................................................
ولد  Finian Cunninghamعام1963 . كتب مقالات كثيرة عن العلاقات الخارجية ، نشرت بعدة لغات . حاصل على شهادة الماجستير في الزراعة الكيميائية .عمل كمحرر علمي للجمعية الملكية للكيمياء في مدينة كمبرج في انجلترا قبل ان يمتهن حرفة الصحافة فيما بعد  .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved