الإرهاب وسنوات الضياع في حياة الشباب

2008-10-03
الطاقة المكبوتة والفراغ والطموح المؤجل ثلاث أزمات يعيشها الشاب المتخرج حديثا من الثانوية، ويظل الشاب سنة كاملة يشحذ كل تفكيره ومهاراته وذكاءه وحتى حيله للتغلب على هذه الأزمات مهما كانت النتائج، وكثير من الشباب بحكم سنهم الصغير وخبرتهم القصيرة في الحياة، ورداءة التربية وضعف الاهتمام بتنمية القدرات والمهارات في التعليم العام الذي تعرضوا له وبخاصة في مجال تربية القيم ، مثل هؤلاء يهتمون ببريق البداية ولا يفكرون كيف ستكون النهاية ؟ المهم أن يخرجوا من أزماتهم وبأية وسيلة، ولذلك يجد الإرهابيون ضالتهم في مثل هؤلاء وبخاصة الشباب الفقير العاطل، فيكونون صيدا سهلا لاستقطاب الإرهابيين والانحراف عن الطريق السوي .
حينما تجتمع القوة والفراغ والطموح في حياة الشباب يبحثون بكل الطرق عن منفذ يساعدهم فيقعون من حيث لا يعلمون، خاصة في ظل غياب الحوار بين الآباء والأبناء ، وفي ظل (تواهان) الشباب سنة كاملة، وربما سنتان وأكثر بعد الثانوية بدون تحديد مصيرهم ...هل سيقبلون في الجامعات ؟ هل هناك معاهد مهنية كافية تستوعبهم؟ هل هناك مشاريع صغيرة تنتظرهم؟ لا إجابة يجدونها..
أصعب ما في الحياة أن يعيش الشاب بلا أمل في مستقبل واضح، فكيف ستكون الحياة إذا هو شعر أنه ليس من حقه أن يحلم بالغد لأنه لا يملك حتى حق التفكير في تحديد ملامح واضحة لمستقبله ؟!! لقد سألت شابا من المتخرجين الجدد من الثانوية كيف تقضي وقتك بعد الثانوية ؟ : فقال بالحرف الواحد( لا أملك مالا للدراسة في معهد، ولا أملك أجرة دباب للتنقل بين المحلات للبحث عن عمل، ولا أملك حتى قيمة أكل يمنحني طاقة للمشي على الأقدام طوال النهار كي أبحث عن عمل، أريد أن أعمل وأصرف على دراستي لذلك مستعد لقبول أي عمل وبأي أجر حتى مع الشيطان لأنني تعبت من الفراغ والنوم) ... أليس مثل هذا الشاب قابلا للانحراف في سنوات الضياع؟!! لقد كانت هذه السنوات مثمرة في الماضي وأصبحت مدمرة في الوقت الحاضر ، كان قرار تفريغ المتخرجين من الثانوية سنتين قبل دخول الجامعة في الفترة الماضية هادفا ومفيدا لهم، إذ كان القصد منه أن يقدموا خدمة التجنيد الإلزامي، وفي الوقت نفسه كان الشباب يجدون في عملية التجنيد متسعا مناسبا لتفريغ طاقاتهم في التدريب وتعود الانضباط والاطلاع على شيء اسمه التربية العسكرية، التي تنمي فيهم قيم الرجولة والقوة، وتعودهم على مواجهة الأزمات، وتحمل الظروف القاسية، وكان التجنيد يربي فيهم الولاء الوطني ويحميهم من الوقوع في براثن الإرهابيين،وبرغم كل السلبيات التي كانت مصاحبة لعملية تجنيد الشباب سابقا إلا أن التجنيد كان وسيلة جد قوية لحماية الشباب من الضياع في الحواري والتعرض لعمليات الاستقطاب من ضعاف النفوس ، لكن اليوم ماذا يفعل الشباب في هذه السنة؟ لو ألقينا نظرة عامة على أرصفة الشوارع وفي الحارات والحدائق والأسواق ومقاهي الإنترنت لشعرنا بالخطر الذي يداهم أبناءنا ، ولآمنا أن تجميد الشباب بعد الثانوية يمثل ضياعا حقيقيا في حياتهم، وبخاصة إذا كانوا من أبناء الفقراء ، قد تكون هذه السنوات مفيدة عند أبناء القادرين ماديا ، حيث يستثمر الآباء أوقات أبنائهم في إلحاقهم بمعاهد خاصة لتدريبهم على مهارات اللغة والحاسوب، لكنها سنوات التشرد والضياع في حياة أبناء ذوي الدخل المحدود وأبناء الفقراء، وهم الغالبية في اليمن، فكم نسبة الأسر التي تستطيع دفع الرسوم بالدولار لأبنائها في معاهد خاصة؟ والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تتمسك مؤسسات التعليم العالي بعدم قبول الطلبة المتخرجين حديثا من الثانوية؟ نريد أن نعرف الحكمة من ذلك ، ثم هل من الحكمة أن تترك مؤسسات الدولة هؤلاء الشباب عاما كاملا عاطلين مكبلين بقسوة ظروفهم مهيئين لوسائل الاستقطاب المتطرفة ؟ لا بد أن نفكر في آليات تستثمر طاقات الشباب في سنة الفراغ بعد الثانوية إذا أردنا أن نحميهم ، وحتى لا نكون عاملا مساعدا على ضياعهم ، فشغل أوقات فراغ الشباب وسيلة قوية لمحاربة الإرهاب ، وحينما يشعر الشاب أنه يعمل ويفيد نفسه ويتصل بالمجتمع تكبر أحلامه، ويشعر بالرضا عن نفسه وعن مجتمعه، أما حينما يشعر الشباب بالوحدة والعزلة والفراغ والكبت فكلنا يعرف النتيجة المأساوية التي تنتظر المجتمع بأسره، فليحذر الآباء عند التعامل مع الأبناء ويراقبوا تصرفات أبنائهم باستمرار، فإذا لاحظ الآباء أن أبناءهم الشباب يميلون إلى الصمت أثناء تواجدهم مع أفراد الأسرة، أو التكتم على كل أمورهم وصداقاتهم ، أو النفور من كلام الأب والأم، أو افتعال المشاجرات مع بقية أفراد الأسرة، فمعنى ذلك أن الأبناء يعيشون حالة استنفار،و في طريقهم للبحث عمن يفهمهم خارج أسوار البيت، وربما يقعون في مصيدة الإرهابيين من أول محاولة، التفكير الجاد في موضوع فراغ الشباب أصبح ضرورة تربوية واجتماعية وحتى سياسية ، وإذا أردنا أن نقضي على منابع الإرهاب فلنتجه أولا إلى استثمار طاقات الشباب بصورة تعيد إلى نفوسهم الثقة بالمستقبل...
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
Omwesam4@yahoo.com
كلية التربية -جامعة صنعاء

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved