ذا كان, من مرادف لمصطلح اللاشعور فهو : الأطلال . وهذا الأطلال الذي ينبثق كالنبع الارتوازي! ما أن يقف العربي من حاضره موقفا نقديا؛ حتى يهوله ما وصل إليه؟! ويبدأ في صرع نوستالوجي, بالحنين إلى الماضي القريب والبعيد, فيغدو القرن العشرين مشرقا لدرجة تقارنه بأيام العباسيين!؛ أما سنوات الألفية الثالثة فهي سراب بقيعة!؟. و عودا للوراء كل قرن يزهو على القرن اللاحق له. وهذا اللاشعور الطللي هو ميزان نقدي نقارب فيه كل النتاج العربي.
وما يهمنا هنا : النتاج الشعري العربي الذي جلبت النائحات للتفجع وبكاء شبابه المأسوف عليه؟! ,رغم الواقع الإبداعي المهم الذي حققه العرب منذ بداية النهضة العربية وما صحبه من تقبل وإعادة إنتاج وإبداع لكل الفتوحات الأدبية الأوروبية والعودة للتراث كراً وفراً منه وإليه.
والمعيار النقدي الذي أُصدر على أساسه هذا الحكم هو واقع القراءة المتدنية وأحيانا المنعدمة ومنه انسحب على تقييم الإبداع العربي من ناحية الكم والكيف وعمل على تقزيمه وأُدخل في مماحكات حول الأسباب التي أدت لهذه الحال متناسيين البعد الأيديولوجي الثوري الذي حكم حتى تنفسنا حول معركة التغير الشامل و ضرورة حرق المراحل التي نُظر لها كأنها مسحة رسول وغيرها من ظروف اجتماعية , سياسية واقتصادية . مما عمل على تضخيم الذات المتأملة قادها إلى الصدام مع الواقع وحركة التاريخ التراكمية التي لا تعمل كما يشتهي أصحاب النظرية فالتنظير شيء والممارسة شيء آخر، وهذه الحالة الفكرية لم ينجُ منها الشعراء أنفسهم فتراهم أكثر الناس تشاؤما مع معرفتهم إن الشعر له طبيعة خاصة تختلف عن بقية فروع الأدب وخاصيته تكمن في غربته عن واقعه بحكم أنه رؤية كشفية تتمظهر بأشكال حلمية ورمزية يقوم الحاضر رويدا رويدا كالمحلل النفسي باستجلائها. والغريب أنه ضمن هذا اللاشعور الطللي نرى الكثير من مبدعينا القدامى قد انتبهوا لمستويات القارئ الافتراضي وقسموا المتلقي إلى عام وخاص، وخاصة الخاص وكثيرا ما نلحظه في الشعر الصوفي الذي كان له أكبر الأثر في سيرورة الشعر إلى صيرورته الممتدة أبدا, في حين لم يلحظه البكائون على واقع الشعر العربي ويعزّون أنفسهم بخلفه الذي هو الرواية؟!.
وعليه لا يُجرحكم واقع القراءة على واقع الشعر المتطور عاموديا ويزحف ببطء أفقيا . ولسوف يقول قائل ماالنفع مادام جل هذا الإنتاج يبقى محصورا بين مريديه ولا يغير من الأمر شيئا بعض الطفرات الشعرية التي نالها بعض الشعراء؟ . نستطيع أن نقول هذا السطح الأول من الصورة أم العمق الذي يجيب: ماالذي يدفع الكثير من هذا الجيل الموسوم ببعده عن الشعر إلى كتابته ومن ثم طباعته وتوزيعه رغم معرفتهم بواقع الحال؟,. ماالذي يحدوهم في ليلهم هذا مع محاق القمر القرائي؟؛ لابد أنه شيء داخلي يؤكده أن التاريخ والحاضر لا يكونا خارجا عن نواميس تطور الإنسان والمدة التي يجب أن تمر حتى يرتقي في سلم العمر الإبداعي للشعوب
والإنسان ليس بذكاء صنعي ابن ما تلقمه بل هو ذكاء كينوني له سيرورته , وصيرورته الموافقة لخط الحاضر ولا يدخل في دائرة الاستهلاك التي أحاطت بكل شيء فيصبح قيمة الشيء تأتي بقدر عدد أرقامه ومبيعه وتداوله. الإبداع الإنساني وإن أخذ شكل السلعة فهو يختلف كماً وكيفاً ولا تحكمه قوانين السوق مهما بدا أنه يعوم في بحرها على غير هدى.
وهكذا يكون واقع القراءة له أسبابه التي لا تطال واقع الإبداع وخاصة منها الشعري.