أتابع النثريات الشعرية للفنان/ الشاعر رياض محمد وأجدها في تطورسريع، سماته التركيز في الخواطر الشاعرة والأفكار مع سبك فنيّ ممتاز.. كنت أتمنى على الشاعر أن يمنح قصيدته عنواناً، فلئن كان المطلع بمثابة تاج القصيدة فإن العنوان – على حداثة حضوره- لؤلؤة هذا التاج !
ومن سمات التركيز أيضاً ألا فجوات فيه ولا ترهل ولا قطع بل حسن تتابع وانسجام، وإن كان هناك شيء من مَسحة العقاب الذاتي المستمد من الواقع المثقل بالعنف والدخان وأجواء الحروب.. والعقاب الذاتي غير جلد الذات الذي هو أكثر سوداوية وقتامة، والذي أخذ يشيع في قصائد النثر .
وحضر النزوع الفلسفي بإيماءات تخللت الأفكار وخاصة في المستهل وإن كان مطروقاً بتعابير الصعود الى الحضيض، والتقدم الى الخلف وما يحمله من مفارقات: بطول العمر يقصر الزمن ..
تذكرني سرديتك الماتعة هذه بالأدب الأوربي الذي أعقب الحروب وصوّر مآسيها، وركز بشكل رمزي على فلسفة الحياة والموت وتمزق الإنسان وابتعاده عن المثل وتلبسه الروح الآثمة فهو جدير بالعقاب!! وزعيم هذا الاتجاه في الشعر تي. أس. أليوت، وبوريس باسترناك وفي الرواية هيرمان هيسه ووليم فوكنرو إيليا أهرنبورغ.. على سبيل المثال لا غير.
"لمن هذه الجثث الملقاة بإهمال
فوق العتبات .. ؟
الغربان تأكل لحمنا البشري
وتنعق ابتهاجا
تنعق في الليل
وتنعق في النهار"
يقول الشاعر عبد المحسن الكاظمي:
إن كان حرباً فابتنوا لي في بطون الطير لحدا – أو كان سلماً فاجعلوا ذك الثرى عيناً وخدّا .
وجمال بيت الكاظمي الذي صاغه بعفو خاطر الشاعر رياض محمد، يكمن جماله في المقابلة البلاغية، وجعلتها صائتة موسيقياً..
يذكرني هذا التساؤل في المقتطف الجميل عند رياض بصاحب عرس الدم، فريدريكو غارثيا لوركا:
لمن الدم المهراق"
في عرض الشوارع؟"
أو الجواهري:
خلِّ الدم الغالي يسيل – إن المسيل هو القتيلُ
لست مع استخدام " أيها" في الشعر، حتى وإن فرضتها ضرورة الحال، إنها مفردة سياسية استهلكت أو أدت مهمتها في الخطاب السياسي التحريضي.. ولا يشفع لها كون المخاطب العراق !
لابن النبيه المصري استخدام جميل :
أماناً أيها القمرُ المُطلُّ – ومن عينيك أسيافٌ تُسَلُّ
يزيد جمالُ وجهِك كلَّ يومٍ – ولي جسدٌ يذوب ويضمحِلُّ
وفي النظرية الجمالية، جمال الشيء بذاته وجماله مع الأشياء، هذا ما يجعل "أيها" مختلفة كل الاختلاف في كلتا الحالتين !
قصيدة النثر تخل بشاعريتها أدوات الخطاب والنداء والتعليل والشرح، على خلاف الاستفهام وتحديداً الإنكاري منه..
"من يجد الرأس
لهذا الجسد المهروس
بماكينة اللحم ..؟
من يجد قلب ذلك العاشق
ليعيده الى محبوبته
التي ارهقها الشوق والانتظار ؟
من يجد من ؟
جسدي الذي رافقني
مثل ظلي
لم يتبق منه
غير جمجمة فارغة
وبضعة اصابع
مازالت تتمسك بروحي الملتاعة
كي لا تهرب الى جثة أخرى
في وطننا المزروع بالقتلى
وطننا السعيد جدا
جدا
حد الذبح !!!..."
هذان المقتبسان يكفيان ليدللا على هذه القصيدة وعمقها وسخونتها واحتجاجها على واقع ساخن ملوَّث بأدوات الحروب، هو توصيف وتشريح، وأسئلة معلّقة تبحث عن أجوبة.. عندما قرأت القصيدة خلتها كتبت البارحة.. بيد أنها ذيلت بتاريخ يعود الى ثلاث سنوات خلت، وما خلت أجواؤنا من دخان وغربان لما تزل تنعب !
تحية للشاعر المبدع رياض محمد 23ت1 اوكتوبر2017
ملاحظة القصيدة كاملة على مدونة رياض محمد في الفيسبوك .