ليونور فيني ..شيئ سريالي !

2010-02-16
على الرغم من انها أنتجت فنا شاذا كما يُعرّفه السرياليون وكان لديها ميلا للعيش بصورة بوهيمية وملئت الشارع الباريسي بأخبارها في النصف الأول من القرن الماضي الا انها سرعان ماتناساها الجمهور واصبحت ذكرى طواها النسيان .
عاشت فيني كملكة في ذلك الوقت وكانت باستمرار في قلب الأحداث الفنية والثقافية التي شهدتها فرنسا ، وكانت تعبر عن سعادتها في لوحاتها ، ورسومها التوضيحية ، والمسرح ، والتصاميم وفوق كل ذلك في اسلوب حياتها .
كانت تعرف كيف تجذب الإنتباه بتصرفاتها الغريبة ، انها تصبغ شعرها ازرق ، برتقالي ، احمر ، أو ذهبي ، وكان لها وجهات نظر خاصة عندما تحضر لافتتاح أحد معارضها الفنية وهي ترتدي زي رجل ، أو لاترتدي شيئا سوى حذاء أبيض وتغطي رأسها بريش أبيض ، لقد كانت دائما تحب مثل هذه المظاهر وعاشت حياتها تعشق العمل في المسارح وقالت ذات مرة ان ابداعاتها تكاد تنتفض حينما تعمل وتصمم عملا لكوكو شانيل وإنسا ، في حين كان يتجمهر اكثر المصورون شهرة لأخذ صورا لها وسط حشد من مراسلي ألصحف والمجلات الباريسية آنذاك .
تعلمت وهي طفلة ان القوة في ملابسها ، أمها كانت قد تزوجت من رجل اعمال ثري ايطالي هو " هيرمينيوفيني " وانتقلت معه الى بوينس آيرس ، لكنه كان متعصب دينيا مما جعل حياتها في غاية البؤس ، لذلك هربت مع ابنتها الى منزل والديها في تريستا ، هيرمينيوفيني حاول اختطاف ليونور لكن والدتها عرفت بنية الأب فكانت تخرجها متنكرة في زي صبي ، هذه الفكرة تحمست لها فيني ولعبت دورا هاما في حياتها .
وهي في سن مبكرة اجتاحتها رغبة في أن تكون فنانة وبسبب تصرفاتها الغريبة الجامحة فقد طردت من ثلاث مدارس ، واقنعت أخيرا والدتها بأنها ترغب في دراسة الفن فبدأت دراستها في ميلانو لكنها كانت ترنو بعينيها صوب باريس فهي المكان المناسب لها ، في تلك الآثناء وقعت في حب الأمير الايطالي " لورنزو اركولي لانزا ديل فاستو " لكن ذلك الحب لم يعمر طويلا .
في القطار الذي أقلها الى باريس التقت فيني بالرسام فيلييودي ييرولد وكان رساما شابا ايطاليا يعيش في باريس فقدمها للمجتمع الباريسي وأقامت أول معرض لها في صالة كانت تديرها " كريستيان ديور " قبل أن تتحول الى تصميم الازياء، ونجح المعرض نجاحا كبيرا وأشاد به النقاد كان ذلك في منتصف العام 1931 .
بعد ذلك النجاح الذي حققته فيني والدعم الذي تلقته من صديقاتها من ذوي النفوذ كان له الأثر الكبير في شهرتها حتى اصبح لها اسما مرموقا في عالم الفن الباريسي ، واثناء ذلك تعرفت الى الرسام " ماكس ارنست الذي أصبح عشيقها الا انها دخلت منافسة مع " اندريه بريتون الذي كان يقود الحركة السريالية آنذاك ورفضت الخنوع له وقد شجعها على ذلك كره النساء الباريسيات له لغروره أولا وعدم اعترافه بأن المرأة قد تكون فنانة ومنافسة للرجل ثانيا ، ولم يسمح لها أن تصبح عضوا في الحركة الا انها ظلت مدرجة في معارضهم وشاركت في المعرض السريالي الدولي بلندن بلوحتين احداهما حملت عنوان " لعبة الساقين " و " احلام الاسلحة البيضاء " عام 1936 وكان لعرض هاتين اللوحتين وقعهما على الجمهور الذي حضر المعرض وأقل ما قيل عنهما انهما يحملان طقوسا غريبة ومثيرة وقد حملت عليهما صحيفة " الديلي ميل " وقتذاك من قبل أحد نقادها الذي وصف فيني بأن لوحاتها عبارة عن فضيحة سريالية وتحمل صفعات شديدة على وجه اللياقة ، في حين دافعت عن اعمالها تلك وأعدت عدتها لعرض آخر ما رسمته اناملها فكان ان حضر الباريسيون ليكونوا على موعد مع هذه " ألمجنونة " كما لقبها احد الصحفيين ، واستقبلت اعمالها استقبالا اكثر دفئا من ذي قبل وحضر معرضها كُتاب عديدون منهم " جان كوكتو " و " جورج النفس " والمثير ألذي اعدته فيني ولفتت به انتباه الجمهور هو ذلك الفستان الغريب الذي ارتدته واسمته " فستان العقرب " ، في اشارة ذكية منها للذين وقفوا بوجهها ، كان ذلك عام 1938 وقالت انها تشعر بالقلق لكنها واثقة مما تفعل والذين اختلسوا النظر لمشهد فستانها الغريب لم يلاحظوا سوى عقربة تقف متأهبة في وسط بطنها ، أما قفازاتها التي ارتدتها فهي على شكل لدغة العقرب ايضا وعلى اكمامها شقوق قد يكون لها إيحاءات جنسية ولكن من الواضح انها قادرة على الاعتناء بنفسها .
عام 1942 كان الجمهور الباريسي على موعد مع معرض آخر أقامته هناك وكالمعتاد فقد احدث المعرض لغطا كبيرا خاصة في الموضوعات التي تناولتها فيني ، ففي لوحة لها اسمتها " الشجعان " وقف الحاضرون امام صورة سلبية لشباب ينامون وسط صبية مدت جسدها بينهم ، اللوحة احدثت زلزالا وهكذا هي تحاول دائما ان تعالج المسائل الحسية بافتراضات قد لاتخطر على البال ، عندما وجه أحد الصحفيين لها سؤالا عن ماهية هذه الصورة قالت ضاحكة : ( لم يسبق لي ان اعيش مع شخص واحد فقط منذ كان عمري ثمانية عشر سنة وأفضّل ان يكون لي نوع محدد في المجتمع واحلم دائما ببيت كبير مع زملائي ومجموعة من القطط والاصدقاء ومع رجل يفهمني ) .
بعد الحرب العالمية الثانية اتجهت فيني الى تصميم الملابس والاكسسوارات خاصة للمسارح وبعض الاعمال السينمائية ، ولبعض العوائل المشهورة كعائلة الملياردير روتشيلد .
أقامت في الاعوام 1965 و 1972 و 1986 معارض لها في كل من بلجيكا وآخر في اليابان ولكن بعد وفاتها عام 1996 رفضت الحكومة الفرنسية قبول لوحاتها بدلا من الضرائب التي تراكمت عليها وتطوع الفنان السريالي الكبير " سلفادور دالي " بتسديد مبالغ الضريبة وعلق حينئذ على الموضوع قائلا : ( ان الصورة النمطية للابداع دائما للذكور ، ولذا فإن النساء مستبعدات، وهذا خطأ كبير خاصة اذا كانت منهن ليونور فيني ) .
فيني ومن خلال شخصيتها نجحت رغم كل المصاعب ، وبيتر ويب يعيد اكتشافها من جديد من خلال كتابه " ملائكة وفوضى " يحكي فيه قصة هذه السريالية التي اكتسبت شعبيتها الهائلة من فوضى جميلة أرختها فوق هذه الالوان والمسارح .
سارة كينت / صحيفة الديلي تلغراف اللندنية
أحمد فاضل

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved