الأهمُّ في سيرة المبغى أنّ البعضَ يتشنّجُ من الحديث عنه ويرفض سيرته ويفنّد و يصغر وجوده بل يحقره ، ويرفض أن يكون له وجود أصلا ، وهو نفسُه الذي رآه و ربّما دخله و تعرّف على عالم المبغى والبغايا .
فكان المبغى الطريق المباح لِمَنْ أرادَ دخوله ولمن يقصد الجهة التي يرتاح فيها - و طالما تمناها -, فإنْ لم يدخل المبغى ذاك فسيخلق في داخله مبغى وهميّاً و بغايا أوهام ويستدرجهن إلى أحلامه و أحلام يقظته . فكأنّ وجودَ المبغى يتناسب ووجود شباب تستفزهم دواخلُهم لمعرفة عالم غريب بحاجة إلى كشف , وهم الغريبون عنه , فكانَ لا بدّ أن يقتحموه و يتنفسوه بأية طرق كانت , و مهما كانت صعبة و ملتوية , وما أن يُنهي (شغله) عليه أن يغتسلَ - أنْ يُبعدَ النجاسة عنه , فيغطس - مجرد غطس فحسب - في النهر القريب الذي كان كفيلا أنْ يبعد عنه آثام الدنيا . لم يكن على زبون المبغى أن يختار الطريق الأقرب ليوصله إليه خوفَ أن تراه عينٌ متلصصة تبيح فضيحته , عليه أنْ يختار طريقا ليظن به أنّ له عملا ما في ذاك الطريق , و كأن الطريق ذاك ممنوع , و كأنه ملغوم برقابة داخلية ,وإن كان سالكه لا بدّ مار فيه لعمل هام يقضيه . حتى ذاك المار الإجباري كان يحسُّ أنّهُ ذاهبٌ إلى المبغى لحرب العيون التي تترصّد الطريق وتحسسه أنّ العيون تلك تراقبه هو و تتربص به لا بالطريق .
alhusseini66@gmail.com