كتاب يسلط الضوء على العقود الثلاثة الأخيرة من حياة أرنست همنغواي ..
عام 1934 وهو العام الذي بلغ فيه أرنست همنغواي الخامسة والثلاثين من العمر اصبح فيه الكاتب الأكثر شهرة في البلدان الناطقة بالإنكليزية وربما بلغات عالمية أخرى ، في تلك السنة اشترى همنغواي قاربا للصيد اطلق عليه اسم بيلار حيث كان يرسو في كي وست بفلوريدا أو في كوبا أو في أماكن أخرى لايمكث بها طويلا ، اصبح هذا القارب بمثابة مكان له دائم للكتابة والقراءة والنوم ولقاء زوجاته وكذلك الأصدقاء فضلا عن استخدامه كسفينة صيد ، وكان اعتزازه به كبيرا جدا حتى عام 1961 وهو العام الذي انتحر فيه مطلقا الرصاص على نفسه في بيته بولاية ايداهو الأمريكية .
في عام 1987 التقى الكاتب الصحفي بول هندريكسون صدفة بشقيق همنغواي وثلاثة من ابنائه اجرى معهم لقاءا خاصا نشره في صحيفة الواشنطن بوست وبدا له ان الكتابة عن الروائي الأشهر تحتاج الى اكثر من مقال فبدأ بسلسلة اتصفت بالجراة والتحليل ، ومع انها ليست سيرة ذاتية تقليدية إلا انها راحت تنبش بما خفي من حياته الخاصة وسنواته الأخيرة قبل انتحاره ، مقالاته هذه لاقت استحسان القراء مما شجعه على التفكير بجمعها في كتاب ظهر هذا الشهر تحت عنوان " قارب همنغواي، وقد سبق ان نشر أربعة كتب يمكن ان يكون تصنيفها على أنها سيرة ذاتية كان أولها " المدرسة : ابحث " و " الأحياء والأموات : روبرت مكنمارا وخمسة اشخاص من حرب خاسرة " و " ابحث عن النور : الحياة الخفية وفنون ماريون " و " أبناء ولاية مسيسبي : قصة العرق وتراثها " ، قرأتها جميعا وقد احتوت صفحاتها على توظيف المكان والزمان كما في " أبناء ولاية مسيسبي " التي تمحورت حول صورة العام 1962 الذي شهد تطورا حاسما في حركة الحقوق المدنية المناهضة للتفرقة العنصرية أدى في نهاية المطاف الى صدور قانون الحقوق المدنية في الولايات المتحدة عام 1964 ، أو في استخدامه لسيرة نائب الرئيس أو بيلار همنغواي كنمط آخر لذلك التوظيف ، هندريكسون حاول من خلال قراءته لأمزجة همنغواي وإنجازاته التي تحققت حتى وقته مع أو بعيدا عن بيلار ان يربط بين مراحل شبابه وكهولته وعشه القديم البحر والخيط الذي ربط كل تلك المراحل مركبه الذي ساعد مؤلف الكتاب في فهم نفسية همنغواي سواء أكان في قسوته وعطفه تجاه زوجاته الأربع أو تجاه أبناءه الثلاثة ، مستعينا كذلك بالكُتاب من اصدقائه المحررين الذين يناصفونه اعجابهم بالروائي الكبير، أو ممن يعتبرونه صاحب اكبر عدد من النزوات لكنها بالتالي تشترك كلها بقاربه الذي جمع كل تلك الذكريات ، اضافة الى توظيف الآلاف من الرسائل والمذكرات والسير الذاتية التقليدية ومقابلات مع عدد غير قليل من الأفراد الذين لايزالون يعيشون معنا ويعرفون جيدا همنغواي أو على الأقل ابناؤهم الذين يتذكرون منهم حكاياته ، وكما هو حال هندريكسون دائما فهو يعتمد في كتاباته على أسس رصينة وأدلة لايرقى الشك اليها أبدا لكن الذي أود أن أشير له هو في الثلث الأخير من الكتاب ، فقد جاهد هندريكسون في معرفة العلاقة القائمة بين الكاتب الشهير وابنه غريغوري الملقب بجيجي الذي بدا غير راض عن تصرفات والده في تلك الفترة بسبب ميوله الأنثوية وارتداءه الملابس النسائية وحتى نفيه الى جنوب أفريقيا التي خضع فيها لجراحة تغيير الجنس ، لم يبين لنا تفصيلات كل ذلك بل راح يتكهن ويكرر ما قد نختلف مع ما قيل عنها وهي تحديدا السنوات التي قضاها صحبة زورقه بيلار ، ومع ان المؤلف لايكشف كل الذي حدث لهمنغواي طيلة تلك السنوات فقد كان جذلا وهو يتصور بقية المشاهد التي عثر عليها عن طريق رسائله التي ستنشر لاحقا .
ستيف واينبرغ
صحيفة / كرستيان ساينس مونيتور
ترجمة / أحمد فاضل