عقيدتك ليست تعنينى فاطمة ناعوت

2010-10-31

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/10ad0b95-9e37-4af2-8d9d-35483f38a400.jpeg حدثنى بالهاتف صوت، لم أسمع فى عذوبته. صوت د. عبلة الكحلاوى، وبعد حوار طويل حول ما يجرى فى بلادنا الآن من مشاحنات طائفية مخزية، أنهت العلامة الجميلة المكالمة بعبارة من أبلغ ما يكون: «يا ابنتى، نحن البشر جميعنا مسلمين ونصارى ويهوداً سوف ندخل الجنة بأعمالنا. فقط بأعمالنا».

وذكرنى هذا بحوار دار بين عالم لاهوت مسيحى برازيلى، «ليوناردو بوف» وبين «دلاى لاما» الحالى، رقم ١٤ تنزين جياتسو القائد الدينى الأعلى لبوذية التبت، ورأس حكومة المنفى بالهند منذ احتلال الصين للتبت عام ١٩٥٩، وبالأساس كان أحد رهبان جماعة القبعات الصفر من مواليد ١٩٣٥، وتم تنصيبه عام ١٩٥٠ وهنا لن أفعل أكثر من ترجمة الحوار عن الإنجليزية، فقط ذاك لأن فى قراءته وحسب تأمل دلالته، تكمن عبارة الكحلاوى الرفيعة ويكمن كذلك الدرس الذى نحتاجه جميعاً: العقيدة شأن خاص بين الإنسان وربه، أما الشأن العام فهو التعامل الطيب بين الناس.

يقول بوف: «فى نقاش مائدة مستديرة جمعت بينى وبين دلاى لاما، حول العقيدة والحرية، سألت لاما، فى شىء من المكر وكذلك فى اهتمام حقيقى:

■ يا قداستك أى العقائد الأفضل؟

وظننت أنه سيقول: بوذية التبت أو الديانات الشرقية التى هى أقدم كثيراً من المسيحية، على أن الدلاى لاما صمت قليلاً ثم ابتسم ونظر إلىّ فى عينىّ مباشرة وهو ما أدهشنى لأننى كنت أعلم أن المكر مخبأ فى سؤالى ثم قال:

- العقيدة الأفضل هى تلك التى تجعلك أقرب إلى الله، هى تلك التى تجعلك شخصاً أفضل.

■ وما هى تلك العقيدة التى تجعلك أفضل؟ فأجاب:

- تلك التى تجعلك: أكثر رحمة، أكثر حساسية، أكثر محبة، أكثر إنسانية، أكثر مسؤولية، أكثر جمالاً. العقيدة التى تفعل معك كل هذا تكون هى الأفضل.

كنت صامتاً مأخوذاً بأعجوبة تلك الإجابة وحكمتها التى لا تدحض. وأكمل لاما:

لست مهتماً يا صديقى بعقيدتك أو إذا ما كنت متديناً أم لا، الذى يعنينى حقاً هو سلوكك أمام نفسك، أمام نظرائك، أمام أسرتك، أمام مجتمعك، وأمام العالم. تذكر أن الكون هو صدى أفعالنا وصدى أفكارنا، وأن قانون الفعل ورد الفعل ليس يخص فقط، عالم الفيزياء. بل هو أيضاً قانون يحكم علاقاتنا الإنسانية.. إذا ما امتثلت للخير سأحصد الخير، وإذا ما امتثلت للشر فلن أحصد إلا شراً، ما علمنا إياه أجدادنا هو الحقيقة الصافية: سوف تجنى دائماً ما تتمناه للآخرين، فالسعادة ليست شيئاً يخص القدر والقسمة والنصيب بل هى اختيار وقرار، وفى الأخير قال دلاى لاما:

«انتبه جيداً لأفكارك، لأنها سوف تتحول إلى كلمات. وانتبه إلى كلماتك، لأنها سوف تتحول إلى أفعال، وانتبه إلى أفعالك لأنها سوف تتحول إلى عادات، وانتبه إلى عاداتك لأنها سوف تكون شخصيتك، وانتبه جيداً إلى شخصيتك لأنها سوف تصنع قدرك، وقدرك سوف يصنع حياتك كلها، وفى الأخير ليست من عقيدة أرقى وأعلى من الحقيقة».

 فاطمة ناعوت

١٩/ ٧/ ٢٠١٠

fatma_naoot@hotmail.com

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved