تقع الرواية في 230 صفحة من القطع المتوسط. تصميم الغلاف للفنان المصري أمين الصيرفي.
"قيامة بغداد" رواية تسجيلية توثيقية عبر سيرة ذاتية تجسد فيها الروائية دور الشاهد الحي في بؤرة تكشف كامل المشهد الحقيقي لما جرى في العراق، وما خبأته الأسرار عن الآخر. حيث تروى الأحداث بأسلوب سهل متناغم مع تصوير الواقع الذي أزاح الخيال جانبًا، عبر تقديم الفصول منذ سقوط النظام العراقي، ودخول قوات الاحتلال الأميركي للعراق، وما تبعها من سنوات اكتظت بأحداث لم تلاحقها عدسة الباحث عن الخبايا المتناثرة هنا أو هناك.
أبطال الرواية هم العراقيون الذين ساهموا في أداء المشهد العام والخاص، ومعهم أشباح الظلام الذين ألقوا بظلالهم الكامدة على ضوء الحياة وانبثاقها المتجدد، ولم يتدخل الأبطال في صناعة أو إعادة تشكيل الواقع أو تزويق أو تهشيم الذاكرة، بل قالوا كلمتهم بصدق، فأكملوا الصورة الناقصة.
اقتصت الرواية من النسيج الكاذب المخادع، وألغت حواجز اللغة العصية أمام المتواتر الحي، ورسمت لوحة الألوان الأساسية دون خلط لثنائيات المسكوت عنه، ولم تقع في الانحياز إلا لصالح الوطن، حيث الأسى الغارق في لوعته الإنسانية والاجتماعية والحسية والنفسية، وشروخ الذات التي تركت آثارها العميقة كأخاديد دجلة والفرات التي أصبحت قبورا للأبناء والأجساد البريئة والتراث والفن والفكر والأدب والعلوم والفنون العراقية.
" قيامة بغداد " رواية البعد الرابع؛ بعد زمن الماضي والحاضر والمستقبل، البعد الإبداعي الذي فتح المشهد بعنف ليوقع فعل الصدمة أمام الأحداث المتوالية؛ في زمن الإقصاء المبرمج لصالح التشتت والانقسام والاستحواذ والاستلاب.
يذكر أن الأديبة والإعلامية عالية طالب؛ والمقيمة في القاهرة منذ سنتين؛ قد قررت العودة نهائيًا إلى العراق خلال هذا الأسبوع واستئناف نشاطها الثقافي والإعلامي في الداخل.
مقاطع من رواية:
قيامة بغداد
تلفتُ بارتباك ودون وعي ورأيت شبابًا يركضون وهم يحملون القاذفات فوق أكتافهم، أين أذهب، وأي طريق سيكون أكثر أمنًا؟، فكرت أن أرجع لغرفة ابن أخي وأبقى في المستشفى، لكن الوقت يقترب من الخامسة مساءً، وهذا يعني أنني لن أعرف كيف أعود لمنزلي، لحظات رهيبة، وأخيرًا قررت أن أتخذ طريقي وأتكل على الله.
دخلت أزقة فرعية عديدة، فيما أغلب المحلات تُغلِق أبوابها بسرعة تحسبًا لما سيحصل، وما هي إلا دقائق حتى دوى صوت انفجار رهيب، وبعده إطلاقات متواصلة، حين تُضرب الآليات الأمريكية فإنهم يرتبكون ويبدأون بإطلاق الرصاص على الجميع بلا استثناء، لذا فإن كل من يكون قريبًا منهم سيُقتل لا محالة، وهكذا قُتلت عائلات وأطفال ونساء ورجال بلا ذنب سوى الرعب الذي يجعل الأمريكان يعتقدون أن جميع من حولهم كان سببًا في إطلاق النار عليهم.
في واحد من شوارع "حيفا" أقسمت صديقتي التي تسكن في إحدى عماراتها أنها رأت أحد الجنود الأمريكان وقد ضل طريقه بين ممرات الأبنية فوجد نفسه وحيدًا، وبعيدا عن رفاقه، فيما أصوات الإطلاقات كانت تزمجر فوق المنطقة، وهي تشي بمواجهة تحصل، وقف ذلك الجندي مرتبكًا يرتجف، وبدأ بالبكاء جامدًا كالتمثال، وضحكت صديقتي وهي تقول لقد تقدم نحوه أحد الرجال ممن يطلقون النار على الأمريكان، وقاده بنفسه بعد أن رثى لبكائه، قاده إلى زقاق يوصله إلى قوته، ثم عاد مرة أخرى ليتخذ موقعه ويشارك في القتال ضد من يجوبون منطقته منهم.
تلك السريالية العجيبة كانت تنسج خيوطها يوميًا في العراق، لتؤكد أننا لا نحب القتل لمجرد القتل، بل إننا لا نحتمل أن يحتلنا الأغراب الذين لا بد أن يغادروا بأية طريقة.
منظر الدبابات والقطع العسكرية الأمريكية جعلنا نشعر وكأنهم يتحدون مشاعرنا، ويسخرون منا، وكأنهم يقولون لنا نحن محتلون ونمشي فوق كرامتكم، وليس شوارعكم. وصدقًا يشعرني منظر الدبابة الأمريكية بأنها تسير فوق قلبي، فوق جسدي، وليس فوق شوارعنا التي هشموها كلها بنذالة عجيبة تليق بهم.
• • • • •
كنتُ أشعر بالتعب، بل بشيءٍ أكبر من التعب، أشعر بالمرض دون سبب، لم تعد قوتي تساعدني على الاستماع لكل البشاعة التي أجدها أينما توجهت.. قيل لي إن شابًا اختطف من أحد الأزقة قبل أيام، أعيد إلى أهله بعد أن تُرك أمام منزلهم وهو فوق صينية كبيرة مطبوخًا، ومعه ورقة تقول: (اشربوا الشاي بعد أن تأكلوه). هل يصدق أحد أن هناك بشاعة في العالم تستطيع أن تفعل هذا؟!
وقُتل ابن أخ زميلي "حامد عبد سرحان" الذي كان برفقة جاره حينما توقفا لشراء البنزين فعاجلتهم سيارة برصاصها ثم اختفت، وحين ذهبتُ لأقدم العزاء لزميلي "حامد" قال لي بوجه رأيت فيه الدموع لأول مرة:
- كلنا ننتظر دورنا على يد مجهولين.
صدقت تنبؤات "حامد" تمامًا، ولم أكن أعرف وقتها أنني سأبكيه هو الآخر، وأنا في غربتي في "مصر" بعد أن اصطف اسمه على شاشة الفضائيات وهي تقول إنه تعرض لرصاص سيارة اعترضته فيما هو راجع إلى بيته من عمله.
مات "حامد" وبكيته كمدًا وحسرة على برائته الجنوبية وقلبه الطيب.
كما ماتت "أطوار بهجت"، الزميلة الرقيقة على أبواب مدينة "سامراء" وهي تغطي حادث تفجير مرقد الإمامين العسكريين.
ومرَ أكثر من عام على خطف "مروان" ابن صديقي الشاعر "خزعل الماجدي"، وكلما أفكر فيه لا أجد توصيفًا يليق بحزن أمه وأبيه، اللذين فتشا كل شوارع بغداد بحثًا عنه دون جدوى.
هل اكتفى قدرنا الأصم عن سماع عذاباتنا؟ أم أنه مازال بحاجة إلى نحيب متجدد؟..
سقط "عدنان الربيعي" صاحب القلب الهامس بالطيبة من الطابق الأول لمنزله وهو يتخبط في الظلمة محاولاً النزول لإيقاد شمعة، ودخل في غيبوبة لأيام بعد أن كانت سقطته على رأسه.
كان قد أنهى بناء بيته وسط الرصاص والقنابل والاشتباكات، وطلا الجدران والأثاث بيديه، مستمتعًا بما يفعل هروبًا من كل تلك الدموية التي تضرب عقولنا، بعد أن ترك وظيفته في السلك الدبلوماسي، وفقد رغبته في كتابة القصص الجميلة التي كانت زاده طوال عمره. هذا الأديب الشفاف حين زرته في المستشفى قبل أن يرحل، وجدته مربوطًا بأجهزة تديم حياته بعد موت سريري دخل فيه، تحدثت معه بصمت ودموع وأنا أعرف أنه لن يسمعني لكنني قلت له: إنك ستكون أحسن حالا منَّا نحن الذين لم نعد نعرف كيف سنعيش بأيام بلا مستقبل واضح.
مات "عدنان" مصطحبا معه كل الأفكار الجميلة التي كان يؤمن بها، والتي لم يتسن له إيجاد الوقت لتنفيذها. أي سبب تافه ذاك الذي اختطفه مبكرًا؟ قتلته الظلمة وانقطاع الكهرباء، ورغبته في إيقاد شمعة. مات عدنان وترك وراءه كتب "سيرة جديدة لعنترة" و"حالة حب" وعناوين أخرى لم يسعفه الوقت لرفدها بجديده الذي كان يفكر بتدوينه، حال الانتهاء من بناء بيته، الذي لفه الصمت على ذكرياته وصوته فيه بعد رحيله المبكر.
مات عدنان وترك حبيبته "هيفاء" وراءه، لا تصدق أن عليها أن لا تراه مجددًا، وأن تكتفي بوجوده في قلبها فقط، وأن يؤمن ابنه "دريد" أن فارسه النبيل الذي حمل اسم الأب قد رحل الآن، وأن الألم كيف ما كان حجمه الآن أو في الغد أو بعد سنين لا يمكن أن يغادر موقعه الصارخ داخل قلوبهم التي أحبته.
• • • • •
كان في داخلي خوف حارق يجعلني أفيق من نومي مذعورة ولا هواء في صدري، وأنا أتخيل أن حادثًا مثل هذه الحوادث قد يحصل لعائلتي بطريقة أو بأخرى، ولا أدري لماذا استمر هذا الهاجس الخبيث يطوقني حتى وقع حادث ابني "حيدر"................
عـالية طـالب الجبوري
• أديبة وإعلامية عراقية.
• بكالوريوس في اللغة الإنجليزية من كلية التربية- جامعة بغداد، 2004م.
• بكالوريوس تجارة، جامعة بيروت العربية 1982م.
• رئيسة منظمة عراقيون من أجل بث عام مستقل، منذ عام 2005م إلى الآن
• مستشار إعلامي للاتحاد الدولي للصحفيين ومقره بروكسل، 2004 -2005
• مدير مركز التضامن الدولي للصحفيين في العراق التابع للاتحاد الدولي للصحفيين IFJ ، بروكسل2004-2005
• مسوؤلة برنامج السلامة المهنية INSI التابع للمركز الإخباري الدولي للسلامة المهنية، 2005
• مدير تحرير جريدة البرلمان اليومية، 2005
• مدير اتحاد ديوان الشرق-الغرب المعني بالثقافة العراقية الألمانية، 2004-2005
• مسؤول القسم الثقافي في جريدة المشرق اليومية، من 2003-2004
• مسؤول القسم الثقافي لجريدة الجمهورية حتى عام 2003.
• قامت بإعداد وتقديم برنامج ( صالون البغدادية ) الثقافي من فضائية البغدادية
• عملت كمراسلة صحفية للعديد من الصحف والمجلات العربية
• حازت على جائزة الدولة للإبداع عام 2001
• شاركت في العشرات من المؤتمرات والملتقيات وورش العمل الإعلامية والثقافية والحقوقية.
.
• الإصـدارات:
- الممرات : مجموعة قصصية. دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1989
- بعيدًا داخل الحدود : مجموعة قصصية. دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1999
- أم هنا .. أم هناك : رواية. دار الحرية للطباعة، بغداد 2001
(حائزة على جائزة الدولة للإبداع)
- الوجوه : رواية. 2002
- بحر اللؤلؤ : مجموعة قصصية. دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 2006
- قيامة بغداد : رواية. شمس للنشر والإعلام، القاهرة 2008
• البحوث باللغة العربية:
- واقع عمل الإعلامية العراقية منذ 2003-2006
- من ثقافة العنف إلى ثقافة اللاعنف : بغداد
- الإعلام المستقل في العراق : عمان
- القصة القصيرة والأجيال القصصية : النجف، العراق
- التحديات التي تواجه الإعلام : أربيل، العراق
- الحدث السياسي في الرواية العراقية المعاصرة : مؤتمر الرواية الرابع، القاهرة
• البحوث باللغة الإنجليزية:
- شيلي والميثالوجيا
- بجماليون وبرناردشو
- البريد الإلكتروني: aliaalgabory@yahoo.com