استقبلت مؤخرا، على التوالي، كل من جامعة محمد الخامس بالرباط ومركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، المستعربتين الإسبانيتين ماريا أركاس وماربياس أكيارأكيلر اللتين حلتا على المغرب بدعوة من الأستاذة فاطمة طحطح رئيسة وحدة الغرب الإسلامي ومظاهر التفاعل بين المغرب وإسبانيا في أشكال التعبير، والسيد مدير مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، وقد حاضرت الباحثتان الإسبانيتان في موضوعات تشغل بال الرأي العام الثقافي الإسباني الآن، ويتعلق الأمر بإشكاليه تعالق هويته بالجذور العربية الإسلامية، إذ أن الهوية الثقافية والحضارية الإسبانية لا تكتمل مادام التجاهل يطال هذا الجانب المهم من حياة شبه الجزيرة الإيبيرية طيلة قرون عديدة من الزمن، ومع أن دعوات خرساء تنادي بإقصاء الأثر العربي الإسلامي في الأندلس، فإن هناك طينة أخرى من المستعربين تعي أهمية هذا الحضور في جسد الإسباني، ثقافيا واقتصاديا وتاريخيا وسياسيا، ومن هنا أخذت هذه الشلة من الباحثين والباحثات، ومنهم ماريا وماربياس، في التنقيب عن الوثائق والمصادر التي تعضد هذا الحضور وتدعمه، سواء كانت وثائق رسمية أو غير رسمية.
في الجلسة الصباحية احتضنت قاعة محمد حجي اللقاء الذي تمحور حول موضوعين: الأول هو إعادة كتابة الرحلة بوصفه عملا إبداعيا وحكائيا، والثاني وضعية الإطار القانوني للعلاقات البشرية في الحدود الشرقية لمملكة غرناطة من خلال عقود النكاح.
أما الفترة المسائية فقد تطرقت المستعربتان لموضوعي جهود مسلمي الأندلس في علم الفلك وعلم الحساب، وأملاك الموريسكيين من خلال العقود الرسمية، وقد سيرت الجلسة الأولى الدكتورة فاطمة طحطح وسير الجلسة الثانية الدكتور عبد الواحد أكمير، وفي كلا الجلستين دافعت الباحثتان الإسبانيتان عن الأثر العربي الإسلامي في أوروبا ثقافيا وعلميا وتاريخيا، وأدانتا بشكل واضح الترهات الصادرة عن بعض الأصوات الناقمة على التراث العربي بصفة عامة، مؤكدتين أن هذه الحالة ليست شذوذا وقصرا على المجتمع الإسباني بل إنها ظاهرة عادية تسود كل الثقافات الديمقراطية التي تبيح للفرد التعبير عن رأيه مهما كان إيجابيا أو سلبيا، وهو الشأن الذي يحصل بخصوص التراث الأندلسي في إسبانيا، فهو يثير ردود أفعال متنافرة، تعكس بعده العميق في جسد التراث والهوية الإسبانيتين.
وقد استمتع الحضور، في الجلستين معا، بالطموح العلمي الذي تتميز به الباحثتان المستعربتان وتمكنهما من آليات التقصي العلمي الجزئي في الظواهر الثقافية والفكرية، ونهمهما الشديد في الإقبال على الثقافة العربية الإسلامية وتمجيد مرحلة الحضور العربي الإسلامي بالأندلس، طيلة ما يقارب ثمانية قرون من الزمن، من خلال التنقيب في المخلفات المخطوطة والوثائق المفقودة ويرجع الفضل في تبادل البعثات العلمية بين جامعة محمد الخامس والجامعات الإسبانية إلى الباحثة الدكتورة فاطمة طحطح التي تعقد شراكات مهمة بين الوحدات التي تشرف عليها ووحدات إسبانية مهتمة بنفس التخصص، فضلا عن جهود الدكتور عبد الواحد أكمير في خلق إشعاع ثقافي مغربي إسباني مشترك، في مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، يهتم بالقضايا الملحة بين الطرفين.