تأتي إشكالية العلاقة بين مفهوم الثقافة ومفهوم الحضارة من حيث الخلط بين المفهومين في المعني والدلالة لدي الكثير، خاصة من غير المتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية .

 

ويحاول هذا المقال بإيجاز شديد الوقوف علي مفهوم الثقافة والحضارة لإزالة هذا الخلط بين مفهومين يتم استخدامهما كثيراً في حياتنا اليومية دون الوقوف على المعاني والدلالات الواقعية لكل منهما .

 

وتعد الثقافة Culture -   تلك البيئة التي خلقها الإنسان بكل ما تحتوية من جوانب مادية وغير مادية وتنتقل من جيل لآخر، وتتضمن الأنماط الظاهرة والباطنة للسلوك المكتسب في مجتمع معين، وتتجسد الثقافة في العلوم والمعتقدات والفنون والقيم والقوانين والعادات والتقاليد وغيرها .

 

ويشير العالم  لينتون  في هذا السياق للثقافة بأنها تحتوي علي أنماط ثلاث من الظواهر تتمثل في ظواهر ذات طابع مادي وظواهر ذات طابع سلوكي وثالثة  ذات طابع نفسي .

 

ويعد التعريف الكلاسيكي للثقافة هو ذلك المأخوذ عن العالم تايلور والذي يعتبره الكثيرون مؤسس الأنثروبولوجيا الثقافية الحديثة  حيث يشير فيه إلي أن الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتضمن المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعادات وأي قدرات أو عادات يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع .

 

ولقد تعددت التعريفات التي تناولت مفعوم الثقافة في العديد من الأدبيات لدرجة أن كروبر وكلاكهون أستطاعوا حصر حوالي ثلاثمائة تعريف مختلف للثقافة . وأستطاعوا أن يستخلصوا بعض السمات المشتركة بين غالبية تلك التعريفات تتمثل في أن الثقافة تتكون من تقاليد وعناصر تراثية منمطة ومتداخلة مع بعضها البعض تنتقل عبر الزمان والمكان خلال آليات غير بيولوجية ينفرد بها الإنسان دون غيره من الكائنات.

أما مفهوم الحضارة -Civilization   فيشير إلي المظهر الثقافي المتقدم لدي شعب من الشعوب، تحدد درجة تقدمه مجموعة من الإنجازات في مجالات العلوم والآداب والفنون والنظم السياسية .

 

وتنشأ الحضارة وتتطور وتزدهر لدي شعب معين خلال فترة زمنية معينة من تاريخه إلا أنها معرضة للتدهور والإندثار والإضمحلال، كما حدث للعديد من الحضارات الإنسانية المتعددة مثل الحضارة المصرية القديمة والحضارة اليونانية والحضارة الإسلامية .

 

ويتضح مما سبق أن المصطلحين ليسا مترادفان، بل يعد مفهوم الثقافة هو الأعم والأشمل من مصطلح الحضارة، لأن كل شعب من الشعوب الإنسانية له ثقافة، لكن ليس بالضرورة أن يكون له حضارة، والحضارة كما أشرت سابقاً ما هي إلا المظهر الثقافي المتقدم لشعب ما في فترة زمنية ما .

 

وثقافات الشعوب والتي إن تغيرت عبر الزمن تتصف بالإستمرارية، إذ لابد في النهاية من وجود نمط معين من الحياة يتبعه أفراد المجتمع  في حياتهم اليومية، هذا النمط هو ما يطلق عليه مصطلح الثقافة 

 

* د/ محمد عبدالوهاب

دكتوراة في الشئون الإفريقية تخصص أنثروبولوجيا ثقافية 

 

المراجع 

1- أحمد زكي بدوي (1978) معجم مصطلحات العلوم الإنسانية , مكتبة لبنان , بيروت 

2- إيكة هولتكراتس (1999) قاموس مصطلحات الإثنولوجيا والفلكلور, ط2 , ترجمة : محمد الجوهري , حسن الشامي  , الهيئة العامة لقصور الثقافة , القاهرة 

3- حسين فهيم  (1986) قصة الأنثروبولوجيا . فصول في تاريخ علم الإنسان ,ع 98 , عالم المعرفة , الكويت 

4- شارلوت سيمور – سميث (2009) موسوعة علم الانسان . المفاهيم والمصطلحات الأنثروبولوجية , ط2 , ترجمة : محمد الجوهري وأخرون، المركز القومي للترجمة، القاهرة