لا تشعرك وانت تلتقيها بانها امرأة ذات مسؤوليات مهمة وعالية، وانها سكرتيرة رابطة المرأة العراقية وعضوة في لجنة محكمة النساء العربيات، وعضوة في هيئة تحالف النزاهة وعضوة في الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان واللجنة التنسيقية لشبكة نساء العراق وشبكة المستقبل الديمقراطية العراقية ، وتعمل في اعلام وزارة الثقافة منذ تخرجها في كلية الاعلام بعد كلية اللغات (اسباني) في جامعة بغداد، وكذلك كلية الادارة والاقتصاد في الجامعة نفسها.
امرأة عانت الظروف الصعبة والاعتقال وتحملت الاذى واضطرت الى الاختفاء لسنوات، لتخزن كل هذا طاقة تخرج بها ثانية في طريق النضال والتحرر والدفاع عن حقوق المرأة والطفل .
السير نحو الهدف
فتحت عينيها، وربيعها الخامس عشر يتفتح، على اناس يحملون افكاراً تسعى الى تحرير الانسان من العبودية والتسلط. ولمـّا كانت تحمل في داخلها هذا التوجه الانساني، انتمت بداية الى اتحاد الطلبة العام 1966 لتدافع، مع زميلاتها وزملائها، عن حقوق الطلبة، مطالبين في وقتها بتطوير المناهج، وتحسين وضع الطلبة الاقتصادي والدراسي وعلاقتهم بالاساتذة، فضلا عن المطالبة بتوفير المكتبات.
وحين انتقلت الى الجامعة 1967 اتسع افق ثقافتها ووعيها الفكري والسياسي، وتعرفت على نخبة مميزة من عناصر سياسية ديمقراطية وماركسية وغيرهم، كان بعضهم قد خرج من السجن بتهم الانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي، الذي وجدت فيه نفسها، لتنتمي اليه عن قناعة تامة.
نشاط لا يخبو
تواصل شميران نشاطها لتحقيق طموحها في الدفاع عن المرأة وحقوقها المسلوبة، لتكون عضوة في رابطة المرأة العراقية في العام 1968، متوجة ارتباطها هذا بالانتماء للحزب الشيوعي، الذي وقف منذ تأسيسه، مع الاحزاب الوطنية الاخرى، بوجه الظلم والاضطهاد التي تمارسه الحكومات المتتالية على العراق، وكان آخرها النظام الدكتاتوري المباد، الذي أزيح عن صدور العراقيين بفضل نضال هذه الاحزاب وكل الوطنيين المخلصين.
وكانت عنصرا فاعلاً في الحزب، خاصة بعد اعلان الجبهة في العام 1973، وعملت مع الاتحادات النسوية الكردستانية، وحتى البعثية، من اجل توحيد قضايا المرأة وهمومها. وشاركت في مهرجان الشبيبة الديمقراطي العالمي الذي اقيم في برلين عام 1973 ضمن وفد من 300 شاب وشابة عراقية من كل التوجهات السياسية.
مضايقات تتبعها استقالة
حين اصبحت اسماء اغلب الشيوعيين مكشوفة بعد اعلان الجبهة، بدأت المضايقات والضغوط عليهم للانتماء لحزب البعث، وعندما رفضت السيدة شميران الانتماء حوربت في عملها، كمترجمة ومذيعة باللغة السريانية في الاذاعات المحلية والموجهة في العام 1976، ومقدمة برامج في تلفزيون كركوك الذي خيّرها بين الاستقالة او الانضمام الى حزب البعث. فاختارت حياتها بالابتعاد عن مغريات زائلة، مقارنة بالقيم والمبادئ التي تحملها، والتي لم يستطع احد مساومتها عليها.
تهديدات ومطاردات
لم تكن الاستقالة لتمنعها من الاستمرار في طريقها الذي اختارته، طريق الحرية والدفاع عن حقوق الانسان، والمرأة خاصة، رغم ان ذلك كلفها حريتها، اذ بدأت الجهات الامنية بتهديدها ان لم تسكت عن الانتقادات المستمرة التي توجهها لكل من يرتكب خطأ بحقها او بحق زملائها. تقول في حديث لها لاحدى الصحف انها قابلت في حينه وكيل وزارة الثقافة نوري نجم المرسومي، فنصحها بالاستقالة ومغادرة العراق، نظراً لاحتمال تعرضها الى ضغوط اكبر. فقررت السفر الى موسكو 1978، وسافرت فعلاً. ولكن حبها لوطنها ارجعها اليه بعد سنة واحدة فقط، آملة بالعثور على تعيين بأية دائرة اخرى غير دائرتها الام. ولكن مادام النظام البعثي قائماً فقد سدت جميع الابواب امامها.
تعذيب مقابل عزيمة لا تلين
القصة لم تنتهِ.. فبعد الحملة الشرسة التي نفذها النظام الدكتاتوري ضد الشيوعيين والقوى الوطنية في العراق اواخر السبعينيات، تم اعتقال مروكل عام 1980 وهي في طريقها الى عملها، فقد انقض عليها ثلاثة من عناصر الامن آنذاك، واقتادوها رغم استغاثتها بالناس في الشارع، بعد ان جلبوا حقيبتها التي رمتها بعيدا، لانها تحمل فيها ادبيات واوراق خاصة بالحزب الشيوعي، لتحل نزيلة في مديرية الامن العامة.
بدأ هؤلاء محاولاتهم لاقناعها بالتعاون معهم والوشاية برفاقها الشيوعيين الذين كانوا يتوزعون بين بغداد وكردستان وسوريا. ولكنها رفضت، مما جعلهم يستخدمون التعذيب النفسي والجسدي الذي ما زالت اثاره شاخصة على جسدها. والعجيب انها نجت - وهي نفسها لا تعرف كيف - من معصارة البشر التي نجا منها القليلون! ولكن بمعاناة جسدية وعلل. فها هي، الى الان، تعاني من امراض في العمود الفقري والمفاصل والكلى. هذا اضافة الى تهديدهم لها بانتهاكات لا اخلاقية للضغط عليها كي تبوح بأية معلومة تنفعهم في القبض على رفاقها، ولكن محاولاتهم تلك لم تجدِ نفعاً.
شيوعيون.. ومن احزاب اخرى
يصعب على السيدة شميران ان تكتم شهادة تريد نقلها للناس ويسجلها التاريخ، وقد كانت تسمع هناك من تلك الغرف المظلمة، اصواتاً لمناضلين معتقلين من احزاب اخرى، منها حزب الدعوة الاسلامي. فهي لا يمكنها ان تنسى اصوات المعذبين، لان احدى وسائلهم الدنيئة، ان يأتوا بالمعتقل قرب غرف التعذيب ليسمع اصوات ضحايا اساليبهم اللاانسانية في استخلاص المعلومات والاعترافات.
استمر هذا الحال 21 يوماً انتقلت بعدها زحفاً الى غرفة اخرى تضم 34 معتقلة، لتبقى 10 ايام اخر.
ولكن يأتي الفرج، بعد ان تقدمت بعض الاحزاب الديمقراطية العالمية بشكاوى تفضح من خلالها السلطات، وان معتقلين في السجون يتعرضون لظروف سيئة. وبالتأكيد نفت الحكومة ذلك بعد ان قامت باخراج المعتقلين من السجون، مع التهديد بالتربص بهم اينما وجدوا لايداعهم السجون مرة اخرى.
اطلاق سراح... ولكن!
بعد اطلاق سراح شميران، مع مجموعة من المعتقلين الاخرين، عادت الى بيتها وهي في حال يرثى لها، تحمل الجروح والدماء والامراض. بقيت اربع ساعات فقط لترتيب امورها ومداواة جروحها، ولتخرج مسرعة قبل ان يقبض عليها ازلام النظام مرة اخرى، كما حصل مع آخرين تم اطلاق سراحهم فيما بعد .
الى اين تتجه الان؟ بدأت رحلة جديدة؛ رحلة الاختفاء عن عيون المخابرات والامن. عملت مربية في بيت السفير الاسترالي لفترة، ثم خادمة في بيت المرحوم نجيب حراق، الذي اشعرها بالامان وعاملها كأنها واحدة من بناته، وخياطة لفترة طويلة . وهكذا من مكان الى اخر، ومن مهنة الى اخرى، لتظل مختفية حتى سقوط النظام المباد.
سطوع نجمها
ما كانت كل تلك المآسي والمحن لتحبط من عزيمة شميران، بل باتت طاقة مخزونة خرجت بها بعد عام 2003 ليسطع نجمها مجدداً، وهي تواصل مسيرتها في الدفاع عن حقوق الانسان، والمرأة والطفل خاصة، وكان لها ما أرادت باصرارها وثباتها.
ولم يكن غريباً ان يعاد انتخابها سكرتيرة لرابطة المرأة العراقية في دورة ثانية، وهي تحمل من المعاني اسماها، ومن الحب للوطن اكبره، ولتشترك مع كل النساء الطيبات المخلصات في بناء هذا الوطن الحبيب.