تتمة/استعراضٌ لديوان (أدَمْوِزُكِ وَتتَعَشْتَرِين).. للشاعرة آمال عوّاد رضوان

2022-01-15

وبالإضافةِ للبعدِ الوطنيّ يحوي ويشملُ هذا الدّيوانُ مواضيعَ وأبعاداً عديدةً مثل : البعد اللّاهوتيّ، والبعد التّاريخيّ والميثولوجيّ (الأسطورة)، والبعد الفلسفيّ، والعاطفيّ، والبعد الإنسانيّ والفنّيّ. والشّىاعرة آمال عوّاد رضوان في هذا الدّيوان تتقيَّدُ بالقافيةِ والقفلة أحيانًا في نهاية بعض الجُمل الشّعريّة، وتتقيَّدُ بوزنٍ واحد أيضاً في بعض الجمل وبشكل عفويّ، فتضيف جمالاً وإيقاعاً حلواً للقصيدة، وأمثلة على ذلك : 

* "وَحْدَكِ/ مَنْ تُؤَجِّجُنِي بِالْجِنَانِ.. مَنْ تُتَوِّجُنِي بِالْحَنَانِ!/ مَنْ تَضْفِرُنِي مَوَاجِعا../ فَتَصْفِرُنِي رِيَاحُ أَحْزَانِي!/ أَتُرَاكِ تُعَاقِبِينَنِي.. بِكَمَالِكِ؟/ أَتُرَاقِصِينَنِي.. عَلَى أجْنِحَةِ هَذَيَانِي؟" (ص61).

 وتقولُ : * "مَضَيْتِ.. وَخَلْفَكِ ظِلِّي الْمَوْجُوعُ/ وَمَا انْفَكَّتْ آفَاقِي.. يَتَنَاءَاهَا الجوعُ!/ فِي أَحْشَاءِ مَدَاكِ الْمُضِيئَةِ أَرْكَعُ/ وفِي دَهَالِيزِ عَيْنَيْكِ الْمُشِعَّتَيْنِ/ كَهَرَمٍ هَرِمٍ.. أَكْبُرُ وأَخْشَعُ!" (ص103).

في هذه الأبياتِ الشّعريّة يوجدُ التزامٌ وتقيُّدٌ بالوزن أيضاً، مع خروج بسيط عن الوزن.. والأبيات على وزن المتدارك أو الخبب . ومثال آخر على التّقيُّد بالقافيةِ وقفلة البيت :

* "سُلْطانٌ حَالِمٌ.. تنَزّلَ بغيْمِ غَابَاتِي/ وَأَغْوَانِي !/ أَسْرَجَ عَيْنَ فرَسِي هَوًى/ وَهَوَى !/ وَلَمَّا يَزَلْ.. يُلَاغِفُ

أجْنِحَةَ شيْطانِي/ يُغْمِضُ خَطِيئَةَ مَلَاكِي/ عَلَى سَلَامِ إلْهَامِي.. وَمَا أَلْهَانِي!/ وَمَضَى/ مضى بعُمْرِي يَتَلَهَّى/ يَتَلَبَّسُ حُمَّى عِطْرِي/ يَتَلَمَّسُ ظِلَّ هَذَيَانِي!" (ص117) .

والشّاعرةُ آمال عوّاد رضوان في هذا الدّيوان كما ذكرت سابقاً، تُوظّفُ الأساطيرَ (الميثولوجيا) وأسماءَ بعض الآلهة، والشّخصيّات الأسطوريّة القديمة، وبعض الشّخصيّات وأسماء الأماكن وإلخ...، بشكل صحيح وجميل وفنّيّ، فلا يُحسُّ القارئ الذّكيُّ بتكلُّفٍ، أو حشوٍ  وابتذالٍ، أو تكرارٍ مُملٍّ، فلها اطّلاعٌ واسعٌ على التّاريخ والأدب، وخاصّة تاريخ وآداب الشّعوب القديمة، وهي تمتلكُ ثقافةً واسعة، بالإضافةِ إلى موهبتها الشّعريّةِ الفنّيّةِ الرّاقية والمميّزة، ولهذا فقد نجحت نجاحًا كبيراً في توظيف شخصيّات الآلهة الأسطوريّة، والشّخصيّات التّاريخيَّة وغيرها في الدّيوان، لأهدافٍ وأبعادٍ عديدة ومعانٍ تريدها، والقارئ المتذوّقُ، وليس فقط النّاقد الذّكيّ الفذّ والمتعمّقُ والمتبحِّر، يستطيعُ أن يدركَ ويفهمَ الكثيرَ من معاني وأبعاد هذا الدّيوان والفحوى المطلوب .

وبهذا شاعرتُنا تتميَّزُ عن العديدِ من الشّعراء المحلّيّين الّذين يتَّجهُون إلى الأساطير، ويتوكّؤون على التّراث القديم والقصص القديمة الأسطوريّة، ويقومونَ بتوظيفِ أسماء بعض الآلهة، وهم لا يعرفون تفسير معنى وَكُنهَ كلِّ إلهٍ، وما هي وظيفتُه، ولأيّ إقليم وبلد وحضارة وشعب يتبع، وما يكتبونهُ ويُخربشونهُ هو مجرّد حشو ولغوٍ، ووضع كلماتٍ مِن دون فهم وإدراك.. وهنالك أمثلة عديدة على شويعرين وشويعرات محلّيّين، يذكرون أسماء آلهةٍ قديمة فيما يكتبونه ويخربشونه من تفاهات وسخافاتٍ، ويُسمّونه شِعراً، ولا يعرفون ما معنى اسم هذا الإله أو ذلك الإله، ومن أين جاءت التّسمية، وما هي وظيفتهُ ومُهمّتُهُ وميزاته، ولأيّ بلدٍ وإقليم ينتمي .

وإذا نظرنا إلى هذا الدّيوان من ناحيةٍ شكليّةٍ وللبناءِ الخارجيّ، فهو على نمطِ الشّعر الحديث، غيرُ مقيّدٍ بالوزن والقافية، أو بالأحرى هو مزيجٌ بين الشّعرِ الحديث الحُرّ والشّعر التّفعيلة، لأنَّ هنالك العديدُ مِنَ الجمل، ومن العباراتِ الشّعريّة في هذا الدّيوان مُتقيّدةٌ بتفعيلةٍ ووزنٍ واحد، وحتّى الجُمَل الّتي تُدرجُ في إطار الشّعر الحُرّ يوجد فيها موسيقى داخليّة، بيدَ أنّها مُكوَّنةٌ مِن أكثر مِن تفعيلة، أي هي موزونة، ولكنّها غيرُ مقيّدةٍ وملتزمةٍ ببحور الخليل بن أحمد الفراهيدي بحذافيرها، فقد يكونُ في الجملةِ الشّعريّة أكثرُ مِن وزن، وزنان، أو ثلاثة أوزان، والقارئُ المُتذوّقُ يُحسُّ ويشعرُ بجماليّة الموسيقى الشّعريّة، وإيقاعِها وجرسِها العذب، مع أنّها ليست كلاسيكيّةً تقليديّة، وعلى عكس البعض مِن الّذين يكتبونَ الشّعرَ التّقليديَّ مَحلّيّاً، ولا توجدُ عندهم الموهبةُ الشّعريّةُ الحقيقيّةُ الرّبانيَّة، ولا المستوى الثّقافيُّ المطلوب، فتأتي قصائدُهم المُقيَّدةُ ببحور الخليل كأنّها دونَ موسيقى ووزن، وكأنّنا نسمعُ شخصًا يُكسّرُ أحجارًا، لأنّها تفتقرُ للموسيقى الدّاخليّةِ، وللألفاظِ الجميلةِ العذبة وللصُّوَر الشّعريّة، فالشّعرُ الحقيقيُّ هو صُورٌ، وأحاسيسُ، ومشاعرُ، وعواطفُ، ولواعجُ جيّاشة، ووجدانٌ مُتدفّقٌ، ومعانٍ رائعةٌ وعميقة، ومواضيعُ راقيةٌ، واستعاراتٌ ومصطلحاتٌ بلاغيّة جديدةٌ ومبتَكَرة، وتلاؤُمٌ وانسجامٌ وتناغمٌ بين اللّفظ والمعنى، بالإضافةِ إلى جزالةِ اللّغة وعذوبةِ الألفاظ، وسلاسةِ العباراتِ والجُملِ الشّعريّة بإشعاعاتِها السّاحرة، وحتّى إذا لم تكن مُقيّدةً ببحور الخليل، فتكفي هذه الأسسُ والعناصرُ أن تجعلَ من كلِّ قصيدةٍ على هذا النّحو، أن تكونَ ناجحةً وإبداعيّةً ورائعة .

وهذا هو الشّعرُ الّذي تكتبُهُ آمال عوّاد رضوان، والشّعراءُ القديرونَ المبدعونَ المجدّدون، والّذين يواكبونَ تيَّارَ الحداثة وركْبَ التّجديد في هذا العصر، مع المحافظةِ على المستوى الفنّيّ والإبداع بمعناه الصّحيح الشّامل، والجرس والإيقاع الموسيقيّ الدّاخليّ الّذي قد يكون أهمَّ أحياناً من الوزن الخارجيّ (بحور الخليل)، ولكن إذا كان هنالك تقّيدٌ كامل بالوزن، تكون القصيدةُ أحلى وأعذبَ وأروع، ولها رونقها وسحرها المُمَيَّز، وتكون مُشعةً أكثر بالجمال الشّكليّ .

  وأخيراً وليس آخراً : إنَّ هذا الدّيوان يُعدُّ من أحسن وأفضل الدّواوين الشّعريّة الّتي صدرت في السّنوات الأخيرة من جميع الأسس والمفاهيم النّقديّة والفنّيّة والذّوقيَّة، وخاصّة في صدد التّجديدِ والابتكار، والتّكثيف من الصّور الشّعريّة الجميلة والحديثة، والاستعارات البلاغيّة المبتكرة، والمعاني العميقة، والأبعاد الفلسفيّة والإنسانيّة، والنّفحات الصّوفية وومضات الإيمان الّتي تسربلُ حَيِّزاً لا بأسَ به من الدّيوان، وأيضاً المستوى الفنّيّ، والثّروة اللّغويّة الكبيرة الّتي يحتويهَا، وفي توظيف الرّموز، والتّراث، والتّاريخ، والأسطورة، والمخزون الثّقافي الواسع بالشّكل الصّحيح، وبالشّكل التّقنيّ والإبداعيّ الجميل والسّلس والمميَّز .

لقد تطرَّقتُ إلى جميع الجوانب والأمور والمجالات الهامّة في هذا الدّيوان، وخاصّة الأمور والمواضيع الّتي لم يتطرّق إليها بشكل واسع الأدباء والنّقادُ الّذين كتبوا عن هذا الدّيوان، وجميع الّذين كتبوا عنه أبدعوا، وكان نقدُهُم موضوعيّاً ونزيهاً وأكاديميّاً وعميقاً. وأنا، بدوري، حاولتُ الاختصارَ قدرَ الإمكان في هذه المقالة، لأنّها ليست أطروحة جامعيّة، ولو أردت التّوسّعَ وتحليلَ كلِّ جملة شعريّة كما يجب، لكتبت مئات الصّفحات التّحليليَّة لهذا الدّيوان الشّعريّ، فاكتفيتُ بالاستعراضِ مع شرح وتحليلٍ مُقتضب، وآمل أن أكون في هذه المقالةِ قد أعطيتُ الدّيوان حَقّهُ، وألفُ مبارك للشاعرةِ المبدعة آمال عوّاد رضوان على هذا الإصدار القيّم والمُمَيَز، وعقبال إصدارات أخرى أدبيّة وشعريّة إبداعيَّة .

أسماء المصادر:

1 - سفر نشيد الإنشاد - الكتاب المُقدّس - العهد القديم .

2 - قصيدة المواكب - (جبران خليل جبران - المجموعة الكاملة - دار الجيل - بيروت - لبنان

3 - ديوان وتريَّات ليليَّة - مضفر النّوَّاب - منشورات صلاح الدّين... و(مضفر النّوَّاب المجموعة الكاملة - منشورات قنبر - لندن) .

4 - ديوان امرىء القيس الكندي - دار إحياء العلوم - بيروت - لبنان .

5- ديوان ابن الفارض .

حاتم جوعيه

الدّكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل - فلسطين)

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved