من الطبيعي أن أجد بعض طلابي يعملون في الأسواق، منهم الفقير من يحمل حاجیات المتسوقین بعربته اليدوية وما أكثر طيفهم !
وكم أحاول أن أشيح بوجهي وأهرب بنظري إلى جهة أخرى إذا ما لمحتهم في السوق كي لا تلتقي عيناي بعيونهم فيشعرون بالمهانة بسبب مهنتهم التي لولا العوز لما اضطروا أن يتركوا مذاكرة دروسهم ويلجأوا إليها . وإني أعتبرهم صاحبي همم وكرامة وإباء .
ومنهم من يعمل مع أبيه بائعا في حانوت، وقليلا ما هم .
وعادة ما لا أشتري من طلابي كي لا أضعهم في موقف حرج لاستلام المبالغ .
ولكني في الأمس دخلت محلا ولم أنتبه أن البائع أحد طلابي، فاشتريت منه ولم أستطع أن أتعرف عليه، ربما يرجع السبب إلى كثرة صفوفي، ففي هذه السنة أدرس في أربع مدارس، ولدي أكثر من 16 صفا، إن ضربتها في متوسط عدد الطلاب في الصفوف، أي 25 طالبا في كل صف؛ أصبح الناتج 400 طالب .
قال الطالب بعد أن قدم لي البضاعة : أستاذ، يبدو أنك لا تعرفني !
قلت: نعم، وذلك لأننا ما زلنا في بداية السنة الدراسية .
عرّفَ نفسه ومدرسته فتذكرته .
لكنه امتنع أن يستلم سعر البضاعة كما كنت متوقعا، وبالغ في المجاملة ! والزبائن ينتظرون، وأنا ألح وهو يرفض... إلى أن استسلم .
فناولته عملة من فئة 500 ألف ريال، استلمها ورجع لي الباقي وغادرت .
لم أحسب الفلوس التي أرجعها لي، أخذتها فجعلتها في جيبي؛ ولما حسبتها بعد أن ابتعدت من المحل ابتعادا، وجدتها نفس الخمس مئة ألف !
نعم، لقد غشني طالبي، أعطيته عملة من فئة 500 ألف، ورجع لي أربع عملات من فئة 100 ألف واثنين من 50 ألفا. وكنت مستيقنا أنه كان متعمدا في الغش .