حاولت جاهدا وما زلت أن لا ألحد إلى القضايا الطائفية بتاتا، ولا أسأل أحدا عن طريقة ارتباطه مع ربه، وهل يصلي ويصوم ويزكّي...أم لا .
ذلك لأني أعتبرها أمورا شخصية لا يحق لأحد أن يقتحمها بسؤال فضولي مباشر، أو أن يتجسس عليها... وهناك فرق شاسع بين التطفل في أمور الآخرين من جهة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة أخرى .
ولقد حرصت على أن أوصي طلابي دائما أن يتجنبوا الأسئلة التي تخص انتماء زملائهم لطائفة دينية معينة أو اعتقاداتهم الشخصية .
لكن جاري وقد ضافه ضيف من مدينة بعيدة أمس، هو الذي أفشى لي أنه فطر يومه لكي لا يدع ضيفه يتغدى لوحده .
فتذكرت الحاج جليل وهذه حكايته :
كان جليل يسكن في المحمرة قبل الحرب الإيرانية العراقية، يناديه أهل الحي باسم (جحيل)، وكأنه اسم شعبي منشق من جليل .
وقد تيسرت أمور جليل الإقتصادية فحج البيت الحرام، ثم امتلك شاحنة كبيرة ينقل بها مواد البناء كالرمل والتراب...
وفي رمضان عام من أعوام المحمرة آنذاك، خرج الحاج جليل عصراً لينقل التراب من منطقة صحراوية نائية تقع بين المحمرة والأهواز؛ وتعطلت شاحنته أثناء الطريق، وكانت الشمس قد اقتربت إلى المغيب . فحاول أن يصلح الشاحنة وكان قد كسب خبرة قليلة من الأمور الميكانيكية .
ولم تكن آنئذ الجوالات قد اخترعت بعد ليتصل بأحدهم لطلب المساعدة، فظل يحاول إصلاح شاحنته لساعات حتى استطاع أخيرا أن يحركها .
فأسرع نحو المدينة وقد أخذ منه العطش والجوع مأخذهما، لكنه حين دخل المحمرة كان صوت أذان الصبح يصدح من المآذن ليملأ الأرجاء معلنا ولوج نهار جديد في ليل أمضاه الحاج جليل صائما .
توجه الحاج جليل نحو بيته حامداً ربه، سائلا الصبر والقوة على الإستمرار في صيامه لليوم الثاني، وقد استمر موطـّن العزم في صومه دون أن يشرب حسوة ماء، أو يأكل لقمة خبز .
ترى ماذا تغير خلال هذه العقود ليجعل بعضنا يتهاون في دينه، وفي سلوكياته العربية، وحتى في لغته مع أطفاله ؟!
أهي الحرب والنزوح من المحمرة ؟!
أم أن فيالق الإعلام المبغض غزتنا فبسطت أيديها إلينا لتعبث بإصالتنا العربية والإسلامية فاستسلمنا دونما أية مقاومة !
أم أن الحقد مطر علينا من الجهتين ولم نجد سقفا يأوينا، أو من يعزرنا، فنال منّا بكل سهولة وانقياد ؟!
أعزائي أهل الضاد والأرض، أخشى إن استمر التهاون على هذا المنوال، أن يسقط في أيدينا؛ ولات حين جدوى من الندم .