ضافتنا ضحىً، استقبلناها بحفاوة :
أهلا وسهلا، أهلا ومرحبا، كلّ التّرحيب .
وقدّمنا لها إفطار الضّحى : بيض مقلي، بصل، خبز حارّ، وشاي مخدّر على جمر (كما طلبت هي) .
تعيش وحيدة، زوجها توفّي منذ خمس سنوات؛ ولم تثمر حياتهما المشتركة طيلة ستّين سنة ولدا أم بنتاً .
تزوّج عليها بعد ثلاث سنين من زواجهما ظانّا أنّه سوف يُخلّف؛ ...ولم يخلّف !
وتبيّن أنّ التّقصير منه .
ولشدّة بخله طلبت امرأته الثّانية الطّلاق وفرّت من سجنه الضّنك .
وتحمّلته الأولى بحلاوته ومرارته – وأغلبها مرارة – أكثر من ستّين سنة .
صبّت لها أمّ شروق فنجاناً من الشّاي؛ فرّغته في صحن الفنجان ثمّ نفخته مرّتين وبدأت ترتشفه ببطء .
وضعت الفنجان في الصّحن ودفعته نحو أمّ شروق وهي تهمس بكلمات شكر وامتنان .
ثمّ نظرت نحو السّماء وتأوّهت قائلة :
الله يرحمه؛ كنت إذا أكثرت الشّاي نهرني بلسانه الجّارح :
(أمّ غائب ما تشبع شاي) !
أيّ إنّها شرّابة شاي، لا يرويها قليله؛ ولهذا تكثر منه .
ثمّ ابتسمت ومسحت خديها وتابعت :
وإذا قلّلته نهرني ثانية :
(أمّ غائب تقلّل الشاي عمداً حتّى يتفطّر القوري1 من حرارة الجّمر).
ولكنّي كنت أتحمّله ...
ثمّ دمعت عيناها وهزّت رأسها وتابعت بمرارة :
ليته حيّ؛ الوحدة صعبة ...
1- القوري: إبريق شاي صيني